عنوان الفتوى : حكم تصدق الأم بمالها في وجوه الخير
والدتي تريد أن تتبرع بمالها في وجوه الخير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تريده أمك من الصدقة بمالها في وجوه الخير هو من الأعمال الصالحة العظيمة الثواب قال تعالى: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ {البقرة:272}.
ومن الأفضل لها أن تتبرع بما يفضل عن كفايتها بحيث لا تخشي الحاجة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى. متفق عليه.
ومع ذلك، فإنه يجوز لها التبرع بجميع مالها في وجوه الخير إّذا كانت عاقلة رشيدة إلا إذا خشيت على نفسها الضيعة بحيث لا تجد ما يكفي في المستقبل لمؤونتها من مأكل ومشرب ومسكن ونحو ذلك من الأمور الضرورية، وكانت لا تصبر على ذلك فإنها بالصدقة تعتبر آثمة، فإن كان لها مكسب يفي بحاجتها في المستقبل فلا إثم عليها، جاء في الفواكه الدواني للنفراوي المالكي: ولا بأس أن يتصدق العاقل البالغ الرشيد على الفقراء بماله كله لله تعالى أي ابتغاء للثواب في الآخرة, إلى أن قال: محل ندب التصدق بجميع المال أن يكون المتصدق طيب النفس بعد الصدقة بجميع ماله بحيث لا يندم على البقاء بلا مال, وأن ما يرجوه في المستقبل مماثلا لما تصدق به في الحال, وأن لا يكون يحتاج إليه في المستقبل لنفسه أو لمن تلزمه نفقته أو يندب له الإنفاق عليه, وإلا لم يندب له ذلك, بل يحرم عليه إن تحقق الحاجة لمن تلزمه نفقته. انتهى.
وفي المغني لابن قدامة: والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته, وكفاية من يمونه على الدوام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى, وابدأ بمن تعول. متفق عليه.
وقال أيضا: فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة بجميع ماله, وكان ذا مكسب, أو كان واثقا من نفسه, يحسن التوكل والصبر على الفقر, والتعفف عن المسألة, فحسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن أفضل الصدقة, فقال: جهد من مقل إلى فقير في السر، وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق, فوافق ذلك مالا عندي, فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما, فجئته بنصف مالي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم مثله, فأتاه أبو بكر بكل ما عنده, فقال له: ما أبقيت لأهلك؟ قال: الله ورسوله فقلت: لا أسابقك إلى شيء بعده أبدا.
والله أعلم.