عنوان الفتوى : من أكل شاكا في طلوع الفجر ولم يتبين له طلوعه فهل يلزمه القضاء
سؤالي لفضيلتكم هو عن مسألة بها الكثير من التفاصيل لذا أرجو من فضيلتكم أن يتسع صدركم لي: تبدأ القضية حينما قرأت من قبل عدة فتاوى للشيخين ابن باز وابن عثيمين ـ عليهما رحمة الله ـ عن توقيت صلاة الفجر وأن ميقات صلاة الفجر في بلادنا غير صحيح لكون الميقات الصحيح لـصلاة الفجر هو الذي يُحتسب عن طريق رابطة العالم الإسلامي والتي يزيد فيها الوقت بين العشاء والفجر بـحوالي 7 دقائق عن الوقت بين العشاء والفجر إذا احتُسب الفجر بـطريقة الهيئة العامة المصرية للمساحة، ثم شاهدت بعدها فيديو للشيخ المصري محمد حسان يؤكد فيه على ذات المعنى بـأن الفجر الذي يدخل مع رفع الأذان في مصر هو الفجر الكاذب لا الفجر الصادق وأن الفجر الصادق يتأخر عن ميقات رفع الأذان بحوالي 7-10 دقائق، ولما كان من صلاة القيام في رمضان والتي كانت تنتهي غالباً قبل ميقات الفجر الرسمي الذى تم حسابه على طريقة الهيئة العامة المصرية للمساحة تنتهي قبل ميقات الفجر بـحوالي 15-20 دقيقة، فقد كنت أتمادى في الطعام والشراب حتى بعد رفع الأذان بـحوالي 5 دقائق إلى ميقات الفجر بـحساب رابطة العالم الإسلامي في مصر تقريباً مستنداً إلى ما قرأته من فتوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين والشيخ محمد حسان، ثم جاءت الطامة أن أخبرني الإمام الذي كنا نصلي معه القيام في رمضان أن الأزهر قد أعلن مؤخراً أن الميقات الرسمي هو موعد دخول الفجر الصادق لا الفجر الكاذب وبـأنه يجب الإمساك عن كل مبطلات الصيام حال رفع الأذان الرسمي في مصر وبـأنه ينبغي على الإنسان أن يحتاط لـصيامه وبأن كل مشايخ السلفية في مصر قد تراجعت عن قولها السابق الموافق لفتوى الشيخ ابن عثيمين وأقرت بـكلام الأزهر الجديد، وهنا لم أستطع أن أخبر الشيخ عما كنت أفعله ولكنني قررت من حينها أن آخذ بـالرأي الأحوط وأن أمسك من حينها عن الصيام مع رفع الأذان، وأن أبدأ في قضاء الأيام التي جاوزت فيها المدى إلى ما بعد الفجر بـ 7 دقائق إلى وقت الفجر بـحساب رابطة العالم الإسلامي، وأبدأ قضاء هذه الأيام بعد انتهاء رمضان وبـالفعل بدأت في قضاء بعض الأيام، حتى جاء الأمر مرة أخرى في سياق مناقشتي مع أحد الدعاة ممن أحسبهم على علم وأخبرني حينها أن ميقات رفع الأذان في مصر غير منضبط بـالفعل وأنه لذلك يحتاط للصلاة ويؤخر صلاة الفجر عن الأذان بحوالي 30-35 دقيقة وبـأن الأزهر بـنفسه هو من نشر في مجلته بتاريخ فبراير 1997ـ شوال 1417 بحثاً لـفضيلة الشيخ عبدالملك على الكليب خلص في هذا البحث إلى أن الفجر الحقيقي يتعدى ميقاته الوقت الذي يُرفع فيه الأذان في مصر بـحوالي 20 دقيقة، ومن هنا أخبرني الشيخ أنه ليس علي القضاء ولكن ينبغي أن أحتاط لصيامي من حينها فصاعداً فأكف عن الطعام والشراب مع الأذان، وسؤالي هنا لـفضيلتكم: لو فُرض أن الأزهر فعلاً قد تراجع عن هذا البحث وأن الميقات الرسمي والصحيح للفجر الصادق هو وقت رفع الأذان الحالي، فهل علي القضاء؟ أم ليس علي قضاء بـاعتباري أخذت بـبعض الفتاوى التي دلَّت على عدم دقة حساب الفجر؟ ومعذرة على الإطالة، أرجو أن تكون طريقة عرضي واضحة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن أجبنا عن مثل هذا السؤال وما يتعلق بالاختلاف حول توقيت أذان الفجر في مصر في الفتوى رقم: 127367 والفتوى المرتبطة بها.
والذي يمكننا قوله للأخ السائل هو أنه إذا لم يتبين له أن الفجر طلع فإن صومه صحيح ولا يلزمه القضاء ما لم يتيقن كونه أكل بعد طلوع الفجر بناء على قول جمهور أهل العلم القائلين بأن من أكل شاكا في طلوع الفجر ولم يتبين له طلوعه صح صومه ولم يلزمه القضاء، وهو المفتى به عندنا, جاء في الموسوعة الفقهية: إِذَا شَكَّ الصَّائِمُ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَلاَّ يَأْكُل لاِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ الْفَجْرُ قَدْ طَلَعَ، فَيَكُونُ الأْكْل إِفْسَادًا لِلصَّوْمِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَدْعُوًّا لِلأْخْذِ بِالأْحْوَطِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ـ وَلَوْ أَكَل وَهُوَ شَاكٌّ، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ مَحَل شَكٍّ وَالأْصْل اسْتِصْحَابُ اللَّيْل حَتَّى يَثْبُتَ النَّهَارُ وَهَذَا لاَ يَثْبُتُ بِالشَّكِّ. اهــ.
ولا شك أن الأولى والأحوط لك مستقبلا أن تمسك عند أذان المؤذن حتى ولو كنت تشك في كونه أذن قبل طلوع الفجر، لما ذكرناه من كلام الموسوعة الفقهية، وقد علمت مما ذكرنا أن القضاء لا يلزمك طالما أنه لم يحصل عندك علم بأنك كنت قد أكلت بعد طلوع الفجر، وأما إذا علمت مستقبلا أن الفجر كان قد طلع قطعا ففي لزوم القضاء خلاف بين العلماء، والقول بعدم لزومه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ومذهب الجمهور لزوم القضاء وهو أحوط.
والله أعلم.