عنوان الفتوى: هل تَثبت " صفة الركبة " لله عز وجل ؟
قرأت في كتاب " نقض عثمان بن سعيد على بشر المريسي " هذا الأثر عن مجاهد : ( يقول داود يوم القيامة : أدنني فيقال له : أدنه ، فيدنو حتى يمس ركبته ) . هل أهل السنَّة والجماعة يثبتون صفة الركبة لله ؟ وهل قال شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الصفة أو ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعاً ؟ وهل هذا الأثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ .
الحمد لله
ما ذكره الأخ السائل من أثر مجاهد قد رواه الدارمي رحمه الله في كتابه " النقض " (
ص 463 ) من طريق سفيان بن عيينه عن حميد الأعرج عن مجاهد .
وقد جاء في تحقيق الشيخ منصور السماري لكتاب " النقض " أن الأثر رواه عبد الله بن
أحمد بن حنبل في كتابه " السنَّة " ( حديث 1085 ، 1181 ) عن مجاهد ، عن عبيد بن
عمير ، ومن غير ذِكر مس الركبة ، وصححه عنه .
وللأثر روايات أخرى بألفاظ مختلفة عن مجاهد وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير وغيرهم
، وأسانيد أقوالهم : منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو ضعيف .
وكل أولئك من التابعين الأجلاء ، ولو كانت رواية هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
لكانت مرسلة ضعيفة ، وهم لم يرووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعلهم نقلوا
ذلك عن كتب بني إسرائيل .
وصفات الله عَزَّ وجَلَّ توقيفية ؛ لا يُثبت منها إلا ما أثبته الله لنفسه ، أو
أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا أحد أعلم بالله من نفسه تعالى ، ولا
مخلوقٌ أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الوقت ذاته لا ينفي أهل السنَّة عن الله تعالى إلا ما نفاه الله تعالى عن نفسه
أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا يبنى القول في باب الأسماء والصفات على غرائب الأقوال ، ومفاريد الآثار ، التي
لم يتداولها أهل السنة في مصنفاتهم ، ولم يقرروا ما تضمنته من المعاني .
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ، رحمه الله :
" الاستقراء دل على أن التقييد لتقرير الاعتقاد ، ليس كالتقييد للنقض على أهل الفرق
، كالأشاعرة ، وذوي الاعتزال .. ، وبيان هذا :
أن السلف إذا كتبوا الاعتقاد على سبيل التقرير والبيان ، قصروا ذلك على موارد
النصوص الثابتة ، ومنها : عقيدة الطحاوي ، وأبي الخطاب الكلوذاني ، وابن تيمية في
العقيدة الواسطية ، وغيرها .
وأما إذا كتبوا للرد والنقض ، مثل كتاب : نقض الدارمي عثمان بن سعيد على بشر
المريسي العنيد ؛ فإن مقام النقض يفرض الإبطال لكلام الخلفي .
ولهذا ، فلا يهولنك ما يهرج به الخلف على السلف ، من أنهم أطلقوا على الله كذا وكذا
، كما هوَّش بذلك الكوثري في مقالاته على أهل السنة ، بعبارات نقلها الدارمي في
نقضه ، وقد قفَّ شعري ، وحصل في النفس حسيكة على الإمام الدارمي من خلال نقول
الكوثري عنه نص العبارة ، وبرقم الصفحة ؛ فلما رجعت إلى مقولات المريسي ، وصاحبه
ابن الثلجي ، وجدت أن الدارمي رحمه الله تعالى ، أمام عبارات فجة ، وإطلاقات خلفية
، لا تصدر من متماسك في دينه وعقله . فالدارمي لم يبدأ بتلك العبارات ، وإنما هو في
مجال النقض ، لا في مجال التقرير" . اهـ من "الأجزاء الحديثية" (228-229) .
والحاصل :
أن " صفة الركبة " لم تثبت في آية أو حديث صحيح فلا نثبتها لله تعالى ؛ كما أننا ـ
أيضا ـ لا ننفيها عن الله تعالى ؛ لأنه لم يرد نفيها في نصوص القرآن والسنَّة ، ولو
ثبت التوقيف بهذه الصفة ، لما كان عندنا إشكال في القول بها ، كغيرها من الصفات ؛
والإيمان بها ، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف .
وانظر جواب السؤال رقم (
145804 ) .
ولم نرّ هذه الصفة مثبتة في كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ، كما لم يثبتها مشايخنا المعاصرون ابن باز والعثيمين رحمهما الله .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل تَثبت " صفة الركبة " لله عز وجل ؟ |