عنوان الفتوى : رواية الثقة عن راو مجهول هل تعد تعديلا له
هل رواية الثقة عن الراوي المجهول تعتبر تعديلا له؟ وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجهالة كما لا يخفى نوعان، جهالة عين وجهالة حال، فأما جهالة العين فترتفع برواية راويين مشهورين عند الأكثر، ولا تكفي فيها رواية الواحد الثقة وحكي هذا إجماعا، قال السخاوي ـ عليه الرحمة: وَلَكِنْ قَدْ رَدَّهُ أَيْ: مَجْهُولَ الْعَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا، وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ: أَقَلُّ مَا يَرْتَفِعُ بِهِ الْجَهَالَةُ، أَيِ: الْعَيْنِيَّةُ عَنِ الرَّاوِي، أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ كَثِيرٍ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: الْمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ، أَوْ مَنْ سُمِّيَ وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ، لَا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ، نَعَمْ، قَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ وَالْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لِأَهْلِهَا بِالْخَيْرِيَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِرِوَايَتِهِ وَيُسْتَضَاءُ بِهَا فِي مَوَاطِنَ، كَمَا أَسْلَفْتُ حِكَايَتَهُ فِي آخِرِ رَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ، وَكَأَنَّهُ سَلَفَ ابْنَ السُّبْكِيِّ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الرَّدِّ وَنَحْوِهِ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّاقِ: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي رَدِّ الْمَجْهُولِ الَّذِي لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا يُحْكَى الْخِلَافُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ. انتهى.
وأما جهالة الحال ـ والظاهر أن سؤالك متعلق بها: ففي ارتفاعها برواية الثقة من غير تصريح منه بالتعديل خلاف، والصحيح أنها لا تقبل ما لم يصرح بالتعديل وهو قول الجمهور، قال الزركشي في نكته على ابن الصلاح: وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن خلفون فِي كتاب الْمُنْتَقى: اخْتلف الْأَئِمَّة فِي رِوَايَة الثِّقَة عَن الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف حَاله فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه تَعْدِيل لَهُ وتقوية وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن رِوَايَة الرجلَيْن عَنهُ يرفع عَنهُ الْجَهَالَة وَإِن لم تعرف حَاله، وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْجَهَالَة لَا ترْتَفع بروايتهما عَنهُ حَتَّى يعرف حَاله وتتحقق عَدَالَته وَإِن جهل نسبه، وَقَالَ وَهَذَا أولى عندنَا بِالصَّوَابِ. انتهى.
وفي فتح المغيث: وَالْقِسْمُ الْوَسَطْ أَيِ: الثَّانِي مَجْهُولُ حَالٍ بَاطِنٍ وَحَالٍ ظَاهِرِ مِنَ الْعَدَالَةِ وَضِدِّهَا، مَعَ عِرْفَانِ عَيْنِهِ بِرِوَايَةِ عَدْلَيْنِ عَنْهُ وَحُكْمُهُ الرَّدُّ وَعَدَمُ الْقَبُولِ لَدَى أَيْ: عِنْدَ الْجَمَاهِرِ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ الْمَوَّاقِ لِلْمُحَقِّقِينَ، وَمِنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَمَا حَكَيْنَاهُ مِنْ صَنِيعِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ يَشْهَدُ لَهُ، وَكَذَا قَالَ الْخَطِيبُ: لَا يَثْبُتُ لِلرَّاوِي حُكْمُ الْعَدَالَةِ بِرِوَايَةِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: لَا فَرْقَ فِي جَهَالَةِ الْحَالِ بَيْنَ رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ مَا لَمْ يُصَرِّحِ الْوَاحِدُ أَوْ غَيْرُهُ بِعَدَالَتِهِ، نَعَمْ، كَثْرَةُ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ عَنِ الشَّخْصِ تُقَوِّي حُسْنَ الظَّنِّ بِهِ. انتهى.
وبه يتبين لك أن مجرد رواية الثقة عن راو مجهول لا تعد تعديلا له ما لم يصرح بعدالته.
والله أعلم.