عنوان الفتوى : حكم بناء منازل للفقراء من مال الزكاة
هل يجوز شراء عمارة لإسكان مساكين وفقراء فيها من مال الزكاة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد
فقد أفتى الشيخ ابن جبرين ـ رحمه الله تعالى ـ بجواز بناء مساكن من مال الزكاة لإسكان الفقراء، ففي إجابة له عن سؤال جاء فيه: نحن لجنة تقوم بها إدارة المساجد، والمشاريع الخيرية، نعزم على بناء مساكن للفقراء في منطقةٍ محتاجة، حيث يبلغ قيمة المنزل 12.000 ريال، حيث إن الحاجة ماسة لبناء مساكن لهم، علمًا أنهم من الفقراء، فهل يجوز بناء تلك المساكن من مال الزكاة؟.
الإجابة: يجوز ذلك إذا كان أولئك من المساكين والفقراء الذين لا دخل لهم، أو لا يكفيهم دخلهم لبناء المساكن، ولا لأجرة السكن، وهم مضطرون إلى السُكنى بقدر ما يُكنُهم، ويسترهم عن الحر، والبرد كمساكن الفقراء، وحيث إن الزكاة من مصارفها قضاء حاجة الفقير ونحوه، فإن من أشد الحاجات حاجته إلى السكن الذي هو من ضروريات الحياة، فعلى هذا يحرص المشرفون على اختيار الأماكن المأمونة من الخراب السريع والتي تكون النفقة فيها يسيرة، ويحصل بها السكن المناسب، والله أعلم. اهـ
ويرى الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ أنه لا يجوز شراء المساكن للفقراء من مال الزكاة، بل يؤجر لهم منها ويعطى الباقي لفقراء آخرين، فقال في فتاوى ـ في برنامج نور على الدرب: لا أرى جواز دفع الزكاة لشراء منزل لفقير، وذلك لأن شراء المنزل سوف يأخذ مالاً كثيراً، وإذا كان المقصود دفع حاجة الفقير فإنه يستأجر له من الزكاة. وأضرب لذلك مثلاً برجل فقير يمكن أن يستأجر له بيت لمدة عشر سنوات بعشرة آلاف ريال ولو اشترينا له بيتاً لم نجد إلا بمائة ألف أو مائتي ألف فلا يجوز أن نصرف له هذا، ونحرم الفقراء الآخرين ونقول يستأجر للفقير، وإذا تمت مدة الأجرة وهو لا زال فقيراً استأجرنا له ثانياً، وأما شراء البيت له من الزكاة فلا أرى جوازه. انتهى.
والظاهر أن المسألة ينبغي أن تدور مع حاجة الفقراء وأحوال السكن، وذلك يختلف باختلاف البلدان والأزمان وقد سبق أن أوضحنا في الفتوى رقم: 129347، أنه لا مانع من إعطاء الفقير المحتاج للسكن من الزكاة ما يبني أو يشتري به منزلا، لأن الزكاة إنما شرعت لسد حاجة الفقير، والمسكن من الحاجات الضرورية التي لا غنى عنها مثل المأكل والملبس، أما بناء المنازل لإسكان الفقراء ففيه تفصيل، فإن كان القصد منه إسكانهم من غير تمليك، أي منحهم منفعة المنزل، فإن ذلك لا يصح في الزكاة، لأنها تمليك وليست إعارة، وإن كان القصد تمليكها لهم فإن كان هؤلاء الفقراء لا يستطيعون تدبير أمورهم وكان القائم على ذلك موكلا من قبل القاضي فلا مانع من ذلك، كما دلت عليه الفتوى السابقة.
وأما إن كانوا قادرين على تدبير أمورهم فإنه يتعين دفع المال إليهم ليبنوا به منازل أو يصرفوه في مصالحهم الأخرى، لأن هذا هو مقتضى التمليك، وهوشرط في إجزاء الزكاة، ففي كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع وهو حنبلي: ويشترط لملك الفقير لها ـ أي الزكاة ـ وإجزائها عن ربها قبضه لها، فلا يجزئ غداء الفقراء ولا عشاؤهم من الزكاة، لأنه ليس بإيتاء. انتهى.
وفي بدائع الصنائع للكاساني وهو حنفي: فركن الزكاة هو إخراج جزء من النصاب إلى الله تعالى وتسليم ذلك إليه يقطع المالك يده عنه بتمليكه من الفقير وتسليمه إليه أو إلى يد من هو نائب عنه وهو المصدق والملك للفقير يثبت من الله تعالى وصاحب المال نائب عن الله تعالى في التمليك والتسليم إلى الفقير والدليل على ذلك قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ {التوبة: 104 }. انتهى.
والله أعلم.