العالم المسرحي والسينمائي
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
مسارحنا في الأعياد
لناقد (الرسالة) الفني
جرت تقاليد المسارح الكبرى، ودور اللهو في أوربا عامة، وفي إنجلترا خاصة، على إعداد برامج حافلة في مواسم أعياد الميلاد ورأس السنة، تعنى بعرض مشاهد مسلية يجد فيها الأطفال متعة ولهواً بريئاً يثير في نفوسهم الغضة ألواناً من السعادة والجذل، ويجعلهم ينعمون بأمسيات طيبة في ليالي العيد، تبهج قلولبهم، وتبعث فيها الحياة والمرح.
وتزدحم المسارح في أيام العيد بروادها من الأطفال مع أهلهم الذين يصحبونهم يشاركونهم اللهو والسرور جذلين فرحين بأن ينعم أبناؤهم بما أعدوه لهم من مباهج العيد ومسراته في المنزل أو في المسرح على السواء.
وتستمر حفلات الأعياد في المسارح قرابة شهر، وأكثر البرامج من نوع (البانتوميم) الذي يمثل بعض الخرافات الشائعة، أو القصص الصغيرة المسلية، التي لا يعيا ذهن الطفل الحدث في تفهمها ومتابعتها، وتصحب بالموسيقى والأغاني الرقيقة التي يسهل على الطفل حفظها وترديدها بلفظها الجزل، ولحنها السهل، ونغمها الشجي العذب.
وهناك بعض الروايات على المسرح الإنجليزي، تعد خصيصاً لحفلات أعياد الميلاد ورأس السنة، وقد أصبح تمثيلها من التقاليد الموروثة التي لا مندوحة عنها، وبعضها يرجع تاريخ ظهوره إلى حوالي نصف قرن، ولكنها تظهر كل عام في مظهر أنيق، فتعد لها الملابس الجديدة الزاهية، والمناظر الدقيقة الجميلة، وقد تضاف إليها بعض الأناشيد والأغاني لتجعل لها لوناً جديداً جذاباً.
وأشهر الروايات التي عرضت هذه السنة على مسارح لندن في مواسم الأعياد (سندرلا) و (الأطفال في الغابة) و (ديك وتنجتن) و (علاء الدين) ويرجع تاريخ ظهورها إلى سنة 1893، أعني إلى واحد وأربعين سنة مضت.
ومن أحسن الروايات التي عرضت هذه السنة، ولها تاريخ ماض طويل، رواية (بيتربان) التي يحتفظ بطلها بنضارة الصبا على مدى الحياة، وهو خالد على مر الدهور لأنه يمثل روح الشباب الخالدة أبداً.
ومثلت رواية (هانسل وجريثل) على مرح كامبردج، وقد ظهرت لأول مرة على مسارح لندن سنة 1895 حيث مثلتها فرقة كاروزو. وتعد بموسيقاها من أحسن الروايات الغنائية، ولها شهرتها البعيدة في إنجلترا وألمانيا على السواء، بل في القاهرة أيضاً وقد كتبت قصتها للأطفال خاصة. ومن الروايات القديمة التي تمثل في هذا الموسم في رواية (أين ينتهي قوس قزح) التي يرجع تاريخ ظهورها إلى حوالي عشرين سنة مضت، وهي رواية وطنية تثير في الطفل الإنجليزي ألواناً شتى من العاطفة القومية، وموضوع القصة خرافي ولكنه من موضوعات الشائقة التي يكون لها في قلب المشاهد أبلغ الأثر. وبعض هذه القصص والروايات تمثل في لندن وفي كثير من المدن الإنجليزية الكبرى في وقت واحد أثناء أعياد الميلاد.
ولا نريد أن نمضي في هذه الناحية من الحديث إلى غير نهاية، فإنما أردنا بذلك أن نمهد لما نريد أن نقوله للمشتغلين بالمسرح في مصر، وإنا لنرى منهم إهمالا تاماً وعدم احتفاء بأعيادنا القومية أو الدينية وإنها لتمر عليهم كغيرها من سائر الأيام، فلا يعدون لها برنامجاً خاصاً ولا روايات معينة، بل يحشدون فيها رواياتهم القديمة المعروفة فلا جديد في أيام العيد ولا ما يشبهه، وما يعنون بإعداد مشاهد مسلية طريفة يستطيع أطفالنا أن يجدوا فيها متعة ولهواً، ويكون في مقدورنا أن نصحب صغارنا إلى دور المسارح مطمئنين إلى أنهم سوف يلقون قصصاً تبهجهم وتسعدهم وتناسب عقليتهم الساذجة البسيطة. وبينما يجد الطفل الإنجليزي في العيد من الروايات والمشاهد ما يحي في قلبه عاطفة قوية أو يبث في نفسه الحمية الوطنية، أو يدفعه إلى حب الخير وينمي فيه حاسة العطف على الفقير والبائس والمحروم، أو يريه من نواحي الفضيلة ما يحببه فيها، ومن صور الرذيلة ما يزهده في اقترافها، ومن معاني تقدير الآباء واحترامهم، وتجيل الأهل وإيتاء ذوي القربى، ما ينشئه نشأة صالحة طيبة، بينما يجد الطفل في إنجلترا وفي غيرها من الممالك الأوربية هذه الروايات الطيبة التي تسليه وتربيه معاً، ويراها يوم عيد ونفسه أحسن ما تكون استعداداً لنلقى ما يلقى إليها من المعاني السامية والأغراض الجليلة، لا يجد طفلنا شيئاً من هذا، وأنه ليمضي نهاره وليله حبيس غرفته وقد نمضي به إلى حديقة أو إلى زيارة بعض الأقرباء، وليس في كل هذا جديد عليه. ولست أدري من ألوم.
المؤلف المصري أو مديري الفرق التمثيلية؟ فلو أن مؤلفاً كتب قصة من هذه التي تماثل ما ذكرنا من قصص المسرح الإنجليزي التي تعرض في مواسم الأعياد هل كان يجد الفرقة التي تقبلها وتعرضها؟ إن مؤلفنا لا تنقصه الموضوعات إن شاء وفي كثر من الخرافات الشائعة مجال واسع لقلمه إن أحب، وأنه ليستطيع أن يخلق من بعض هذه الخرافات التي يتلقاها الأطفال في المنزل وتفسد عليهم تفكيرهم البريء موضوعات شائقة تنقلب بها الخرافة من النقيض إلى النقيض وتزيح عن عقل الصغير شيئاً ما نظنه بالهين ولا باليسير. وهذا (البعبع) الذي خلقته العجائز لإخافة الطفل وإفزاعه أما نستطيع أن نعيده رجلاً طيباً يحنو على الأطفال ويحبهم ويهبهم ليلة العيد العطايا والمنح الطيبة من اللعاب والحلوى، أسوة ببابا نويل الذي خلقته الخرافة في الغرب فجعلت منه معبوداً للأطفال الصغار؟! و (أبو رجل مسلوخة) ما ذنب المسكين في سلخ رجله، وما ذنب أطفالنا نقيمه لهم مخافة ومفزعاً؟ أما في مقدورنا أن نضع حول خرافته قصة لطيفة مسلية نبرزه فيها الرجل الطيب الذي يحب الأطفال الذين يحترمون أباءهم ويبجلون أساتذتهم، ويهب النشيطين منهم والمكبين على الدرس الهدايا واللعب الحلوى، وننتزع بذلك تلك الصورة المشوهة التي نلقيها في ذهن أطفالنا وندفعهم إلى التقرب منه عن طريق حبه ورجاء خيره، بدل أن نفزعهم بصورته البشعة ورجله المسلوخة؟ وفي العيد الكبير ألا تصلح قصة كبش الفداء موضوعاً لرواية سهلة يرى فيها أطفالنا أصل هذه العادة الإسلامية التي تدفعنا إلى ذبح الكباش يوم العيد وتوزيع لحومها على الفقراء والمعوزين؟ إننا نستطيع أن نخلق عشرات الروايات من تاريخ مصر القومي ومن تاريخنا الإسلامي تدور حول موضوعات تبث في قلوب الأطفال حب الوطن وتقدير تاريخهم المجيد، كما تبذر فيهم بذرة طيبة صالحة من الخلق القويم والأدب الرفيع، غير ما ندخله على نفوسهم من ألوان المرح والسرور بهذه القصص الشائقة المسلية، ونجعل العيد متعة لهم ومبعث سعادة وفرح، ونجعلهم مشوقين إليه جد الشوق، يحسبون مبلغ عنايتنا بالترفيه عنهم وإدخال السرور على نفوسهم، ونجعل من العيد حياة زاخرة قوية، ومن أيامه أفراحاً وأعراساً للصغار وللكبار على السواء ونقيم فارقاً بين ساعاته التي يجب أن نملأها نعيماً وهناء، وبين أيام السنة التي تمضي بين الجد والعمل، وتمر فاترة مملولة. وبعد.
هل تجد هذه الكلمة أذناً صاغية من مؤلف أو مدير فرقة؟ لقد مرت فرصة العيد الصغير ولكن ما يزال في الوقت فسحة للعيد القادم، فلعل صغارنا يلقون فيه بعض ما يلقى صغار الأمم والشعوب يوم العيد. محمد علي حماد