عنوان الفتوى : أقوال العلماء حول نجاسة الخنزير
هل الخنزير نجس ؟ وما هي الآيات والأحاديث التي تثبت ذلك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من المعلوم أن الخنزير يحرم أكله بالإجماع قال تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ {المائدة:3}. وقال تعالى : قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ {الأنعام:145} .
والكثير من العلماء يرى أنه نجس سواء كان حيا أو ميتا؛ لأن الله وصفه بأنه رجس، والرجس هو النجس، بدليل هذه الآية؛ لكنها لا تدل دلالة قطعية على نجاسته نجاسة عينية، ولذلك استدل بعض العلماء على نجاسة عينه بالقياس على الكلب؛ لأنه أسوأ حالا منه حيث لا يجوز الانتفاع به .
ويرى بعض الفقهاء أنه مثل الحمار والأسد والذئب من حيث طهارة العين أي الجسم ما دام حيا أي أن جسمه ودمعه ولعابه وعرقه ما دام حيا من جملة الطاهر، وليس المراد أن ذلك طاهر بعد موته ولا أن دمه أو لحمه من الطاهر أيضا .
قال في المهذب في الفقه الشافعي : وأما الخنزير فنجس لأنه أسوأ حالا من الكلب، لأنه مندوب إلى قتله من غير ضرر فيه، ومنصوص على تحريمه، فإذا كان الكلب نجسا فالخنزير أولى، وأما ما تولد منهما أو من أحدهما فنجس لأنه مخلوق من نجس فكان مثله. اهـ
قال النووي في المجموع : نقل ابن المنذر في كتاب الإجماع إجماع العلماء على نجاسة الخنزير وهو أولى ما يحتج به لو ثبت الإجماع، ولكن مذهب مالك طهارة الخنزير ما دام حيا، وأما ما احتج به المصنف فكذا احتج به غيره ولا دلالة فيه وليس لنا دليل واضح على نجاسة الخنزير. انتهى .
وفي فتاوى الأزهر : معلوم أن لحم الخنزير يحرم أكله كما قال تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ {المائدة:3}. وتحريم أكل اللحم يشمل تحريم كل أجزائه من الشحم والكبد والطحال وغيرها، لقوله تعالى : قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ {الأنعام : 145}. لأن الضمير في قوله تعالى : فَإِنَّهُ رِجْسٌ . عائد على لفظ الخنزير لا على لفظ لحم لأن اللحم معلوم بالنص عليه، فلو عاد الضمير عليه لزم خلو الكلام من فائدة التأسيس، فوجب عوده إلى كلمة خنزير . ليفيد الكلام تحريم بقية أجزائه.
ومع تحريم أكل أي جزء منه فهو نجس، لأن الله وصفه بأنه رجس، والرجس هو النجس، وجمهور الفقهاء على نجاسته حيا وميتا بدليل هذه الآية، وإن كان في الدليل مناقشة، فقد يراد بالنجاسة النجاسة الحكمية وهي حرمة الأكل، وليس النجاسة العينية كنجاسة المشركين في قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ {التوبة : 28}. فالمراد نجاسة الاعتقاد وليس النجاسة العينية، حيث لم يقل أحد بأن المشرك ينجس . على مثل ما جاء في قوله تعالى : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ {المائدة:90}. فنجاسة الأنصاب والأزلام حكمية وهي الحرمة وليست نجاسة عينية .
ولما كانت الآية لا تدل دلالة قطعية على نجاسة الخنزير نجاسة عينية استدل بعض العلماء على ذلك بالقياس على نجاسة الكلب، لأنه أسوأ حالا منه حيث لايجوز الانتفاع به، لكن هذا الدليل غير مسلم؛ لأن الحشرات لا ينتفع بها ومع ذلك هي طاهرة . ومن هنا قال النووي : ليس لنا أي الشافعية دليل على نجاسة الخنزير، بل مقتضى المذهب طهارته كالأسد والذئب والفأر، ونقل ابن المنذر الإجماع على نجاسة الخنزير لكن دعوى الإجماع فيها نظر؛ لأن مالكا يخالف فيه ويقول بطهارته. نخلص من هذا إلى أن الخنزير يحرم أكله، أما طهارته فالجمهور على أنه نجس، والبعض قال إنه طاهر كالحمار والذئب يحرم أكلهما ومع ذلك طاهران . انتهى .
والله أعلم.