عنوان الفتوى : الخوف من الله تعالى والخوف من المخلوقات
أريد أن أسأل حضراتكم عن مقام الخوف من الله والخشية إذا تعلق الأمر بالشرك الذي هو غاية الانحراف عن طريق الله وقد قرأت أن من انتهى عن ارتكاب المعاصي والهجوم على الشهوات فقد خاف الله واتقاه، ولكن قد أمرنا الله أن لا نخاف إلا إياه ولا نخشاه إلا هو، فإن خاف المسلم بطش ظالم، أو جور جائر وخشي الفتنة والهلاك بين يديه إن لم يمتثل لأوامره، فهل يعد هذا خوفا، أو خشية من دون الله التى تفضي إلى الشرك فيحق عليه القول أنه أشرك مع الله ما لا ينفع ولا يضر؟ وهل يعتبر هذا الخوف من المخلوق المتكبر، أو الظالم المتجبر خوفا مذموما يورث شركا؟ أفيدونا رحمكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الخوف من الله عز وجل من أفضل مقامات الدين ومن أجلها, وقد وصف الله به في كتابه العزيز الملائكة والأنبياء والصالحين فقال: يخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {النحل: 50}.
وقال: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ {المؤمنون: 57}.
وقال: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {الأحزاب: 39}.
وقد قدمنا بعض الوسائل المساعدة على تحصيل الخوف من الله تعالى في الفتويين رقم: 127228، ورقم: 132679
أما الخوف من المخلوقات: فهو دائر بين الشرك بالله والمعصية والإباحة بحسب حاله وذلك أن الخوف من حيث هو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- خوف السر: وهو أن يخاف الإنسان من غيره أن يصيبه بما يشاء من مرض، أو فقر، أو أي مصيبة بقدرته ومشيئته.
2- أن يخاف الإنسان من بطش ظالم حتى يفعل محرما، أو يترك ما أوجبه الله عليه من جهاد، أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر, أو غير ذلك.
3- الخوف من عدو، أو سبع، أو غرق، أو هدم, أو نحو ذلك من أسباب الهلاك، أو الأذى الظاهرة وهو ما يسمى بالخوف الطبيعي.
إذا تقرر هذا، فإن الخوف من المخلوقات إذا كان من النوع الأول فهو شرك, لأن ذلك النوع من الخوف من لوازم الإلهية, فلا يجوز تعلقه بغير الله أصلا، وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في آلهتهم وأصنامهم, فكانوا يخوفون بها أولياء الله, يقول الله عز وجل حاكيا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في رده على الكفار لما خوفوه بآلهتهم: وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {الأنعام:80-81}.
وإذا كان الخوف من المخلوقات من النوع الثاني فهو محرم, وهو الذي نزلت فيه الآية: إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {البقرة:175}.
وورد فيه الحديث: إن الله تبارك وتعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذا رأيت المنكر أن لا تغيره؟ فيقول: يا رب خشيت الناس, فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى. رواه أحمد.
وقد يباح فيما يتعلق بحق الله إذا خاف الإنسان على نفسه الهلاك، لأنه يعتبر مكرها، فقد قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل :106}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. أخرجه الطبراني عن ثوبان، وصححه السيوطي, وحسنه النووي.
أما إذا كان الخوف من المخلوقات من النوع الثالث فهذا واقع طبعا ومباح شرعا، إذ هو أمر جبلي خارج عن إرادة الإنسان, ولا يذم شرعا, وهو الذي ذكره الله عز وجل عن موسى عليه السلام في قوله: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {القصص : 21}.
وقوله تعالى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ {الشعراء:21}.
وقوله حكاية عن موسى عليه السلام: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ {الشعراء:14}.
وقوله سبحانه: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ {يونس:83}.