عنوان الفتوى : التوارث بين المسلم والبهائي
وأريد أن أسأل عن البهائي إذا مات هل يرثه أهله من المسلمين؟ و لو مات مسلم وله من أولاده من هو بهائي هل يرثه؟ وجزاكم الله خيرا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اتفق العلماء على كفر البهائية لإنكارها ما علم من الدين من الضرورة، وجحودها عقائد الإسلام، فمن كان بهائيا فإنه لا يرث من مال المسلمين شيئا سواء أكانت بهائيته طارئة أم أصلية، وهذا باتفاق أهل الفقه لم يخرج عن هذا الحكم أحد.
أما المسلم فإن الجمهور على أنه لا يرث من البهائي شيئا؛ لأنه لا توارث بينهم، ورجَّح ابن تيمية وابن القيم أن المسلم يرث الكافر لا العكس هذا إذا كان الميت مولودا على البهائية.
أما إن كان مسلما ثم انتقل إلى البهائية فإنه يأخذ حكم ميراث المرتد فالمالكية والشافعية وأحمد في رواية على منع التوارث، وأن مال هذا المرتد فيء للمسلمين، وذهب الحنفية إلى أنه إن مات على رِدَّتِه وَرِثَ كَسْبَ إسلامه وارِثُه المسلم، وأما كَسْب رِدَّتِه فلِبَيْت المال. وفي رواية أخرى عن أحمد أن ماله يرد على ورثته من المسلمين، وذكر هذا القول ابن حزم في المحلى. وهذا مروي عن علي بن أبي طالب وقول عمر بن عبد العزيز، والشعبي، والحكم بن عتيبة. والأوزاعي.
وإن كان القانون لا يمنع المسلم من ميراثه من غير المسلم فإن من توصل له مال من هذا الطريق فإنه يسعه قول ابن تيمية وابن القيم إن كان من يرثه كافرا بأن ولد على البهائية مثلا، ويسعه أيضا قول علي بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز إن كان من يرثه مرتدا إن انتقل من الإسلام للبهائية.
جاء في المغني لابن قدامة عن ميراث المرتد من المسلم:
(المرتد لا يرث أحدا، إلا أن يرجع قبل قسمة الميراث ) لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن المرتد لا يرث أحدا. وهذا قول، مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم. أهـ
وجاء في المغني لابن قدامة عن ميراث المسلم من المرتد:
اختلفت الرواية عن أحمد في مال المرتد إذا مات، أو قتل على ردته، فروي عنه أنه يكون فيئا في بيت مال المسلمين. قال القاضي: هو صحيح في المذهب . وهو قول ابن عباس، وربيعة، ومالك، وابن أبي ليلى، والشافعي رضي الله عنهم وأبي ثور، وابن المنذر. وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته من المسلمين. وروي ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال ابن المسيب، وجابر بن زيد، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، والشعبي، والحكم، والأوزاعي، والثوري، وابن شبرمة، وأهل العراق. وإسحاق. إلا أن الثوري، وأبا حنيفة، واللؤلؤي، وإسحاق، قالوا: ما اكتسبه في ردته يكون فيئا. ولم يفرق أصحابنا بين تلاد ماله وطارفه. ووجه هذا القول أنه قول الخليفتين الراشدين، فإنه يروى عن زيد بن ثابت، قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين . ولأن ردته ينتقل بها ماله، فوجب أن ينتقل إلى ورثته المسلمين، كما لو انتقل بالموت.
وروي عن أحمد، رواية، أنَّ ماله لأهل دينه الذي اختاره، إن كان منه من يرثه، وإلا فهو فيء. وبه قال داود.
وروي عن علقمة، وسعيد بن أبي عروة؛ لأنه كافر، فورثه أهل دينه، كالحربي، وسائر الكفار. والمشهور الأول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم } . وقوله: { لا يتوارث أهل ملتين شتى }. ولأنه كافر، فلا يرثه المسلم، كالكافر الأصلي، ولأن ماله مال مرتد، فأشبه الذي كسبه في ردته، ولا يمكن جعله لأهل دينه؛ لأنه لا يرثهم، فلا يرثونه، كغيرهم من أهل الأديان، ولأنه يخالفهم في حكمهم؛ فإنه لا يقر على ما انتقل إليه، ولا توكل له ذبيحة، ولا يحل نكاحه إن كان امرأة، فأشبه الحربي مع الذمي. فإن قيل: إذا جعلتموه فيئا فقد ورثتموه للمسلمين. قلنا: لا يأخذونه ميراثا، بل يأخذونه فيئا، كما يؤخذ مال الذمي إذا لم يخلف وارثا، وكالعشور .أهـ
وجاء في المحلى لابن حزم الأندلسي:
اختلفوا في ميراث المرتد فصحَّ عن على بن أبى طالب أنه لورثته من المسلمين كما روينا من طريق الحجاج ابن المنهال حدثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبى عمرو الشيباني أن على بن أبى طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وروى مثله عن ابن مسعود، ولم يصح .
ومن طريق وكيع أخبرنا سفيان الثوري عن موسى بن أبى كثير قال: سألت سعيد بن المسيب عن المرتد هل يرث المرتد بنوه؟ فقال: نرثهم ولا يرثوننا قال: وتعتد امرأته ثلاثة قروء فإن قتل فأربعة أشهر وعشرا.
ومن طريق سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال: كان المسلمون يطيبون ميراث المرتد لأهله إذا قتل وروى توريث مال المقتول على الردة لورثته من المسلمين عن عمر بن عبد العزيز.والشعبي.والحكم بن عتيبة. والأوزاعي. أهـ
وجاء في كتاب الأم للشافعي:
قد روى عن معاذ بن جبل ومعاوية ومسروق وابن المسيب ومحمد بن على بن الحسين أن المؤمن يرث الكافر ولا يرثه الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا. أهـ
وجاء في أحكام أهل الذمة لابن القيم عن ميراث المسلم من الكافر:
وأما توريث المسلم من الكافر فاختلف فيه السلف، فذهب كثير منهم إلى أنه لا يرث كما لا يرث الكافر المسلم: وهذا هو المعروف عند الأئمة الأربعة وأتباعهم. وقالت طائفة منهم: بل يرث المسلم الكافر، دون العكس. وهذا قول معاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن الحنفية، ومحمد بن علي بن الحسين (أبو جعفر الباقر) وسعيد بن المسيب، ومسروق بن الأجدع، وعبد الله بن مغفل، ويحي بن يعمر، وإسحاق بن راهويه. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قالوا: نرثهم ولا يرثوننا، كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا.
والذين منعوا الميراث: عمدتهم الحديث المتفق عليه:” لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم”. وهو عمدة من منع ميراث المنافق الزنديق، وميراث المرتد.
قال شيخنا (يعني: ابن تيمية):
وقد ثبت بالسنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجرى الزنادقة المنافقين في الأحكام الظاهرة مجرى المسلمين، فيرثون ويورثون. وقد مات عبد الله بن أبيّ وغيره ممن شهد القرآن بنفاقهم، ونُهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه والاستغفار له، ووَرِثَهم وَرثَتهم المؤمنون: كما ورث عبد الله بن أبيّ ابُنه، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من تركة أحد من المنافقين شيئًا، ولا جعل شيئًا من ذلك فيئًا، بل أعطاه لورثتهم وهذا أمر معلوم بيقين.
فعلم أن الميراث: مداره على النصرة الظاهرة لا على إيمان القلوب والموالاة الباطنة. والمنافقون في الظاهر ينصرون المسلمين على أعدائهم، وإن كانوا من وجه آخر يفعلون خلاف ذلك. فالميراث مبناه على الأمور الظاهرة لا على ما في القلوب.
وأما المرتد فالمعروف عن الصحابة مثل علي وابن مسعود: أن ماله لورثته من المسلمين أيضًا. ولم يدخلوه في قوله (صلى الله عليه وسلم): “لا يرث المسلم الكافر”. وهذا هو الصحيح.
وأما أهل الذمة، فمن قال بقول معاذ ومعاوية ومن وافقهما يقول: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يرث المسلم الكافر” المراد به الحربي لا المنافق، ولا المرتد، ولا الذمي: فإن لفظ (الكافر) – وإن كان قد يعم كل كافر، فقد يأتي لفظه والمراد به بعض أنواع الكفار، كقوله تعالى: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا} فهنا لم يدخل المنافقون في لفظ (الكافرين). وكذلك المرتد، فالفقهاء لا يدخلونه في لفظ (الكافر) عند الإطلاق. ولهذا يقولون: إذا أسلم الكافر لم يقض ما فاته من الصلاة، وإذا أسلم المرتد ففيه قولان.
وقد حمل طائفة من العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم:” لا يقتل مسلم بكافر” على الحربي دون الذمي؛ ولا ريب أن حمل قوله:” لا يرث المسلم الكافر” على الحربي أولى وأقرب محملاً، فإن في توريث المسلمين منهم ترغيبًا في الإسلام لمن أراد الدخول فيه من أهل الذمة، فإن كثيرًا منهم يمنعهم من الدخول في الإسلام خوف أن يموت أقاربهم ولهم أموال فلا يرثون منهم شيئًا.
وقد سمعنا ذلك من غير واحد منهم شفاهًا؛ فإذا علم أن إسلامه لا يسقط ميراثه ضعف المانع من الإسلام و(صارت) رغبته فيه قوية. وهذا وحده كافٍ في التخصيص. وهم يخصون العموم بما هو دون ذلك بكثير، فإن هذه مصلحة ظاهرة يشهد لها الشرع بالاعتبار في كثير من تصرفاته؛ وقد تكون مصلحتها أعظم من مصلحة نكاح نسائهم، وليس هذا مما يخالف الأصول، فإن أهل الذمة إنما ينصرهم ويقاتل عنهم المسلمون ويفتدون أسراهم، والميراث يستحق بالنصرة، فيرثهم المسلمون، وهم لا ينصرون المسلمين فلا يرثونهم: فإن أصل الميراث ليس هو بموالاة القلوب؛ ولو كان هذا معتبرًا فيه كان المنافقون لا يرثون ولا يورثون. وقد مضت السنة بأنهم يرثون ويورثون.) أهـ
والله أعلم.