عنوان الفتوى : شبهات وجوابها حول بدعية الاحتفال بالمولد النبوي

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

إخوتي أصبح عندي بعض الشبه في المولد النبوي، أحياناً عندما نناقش من يجيز الاحتفال بالمولد النبوي نقول لهم: إن هذا التاريخ ليس بثابت أنه هو اليوم الذي ولد به النبي صلى الله عليه وسلم، بل والثابت أنه توفي فيه صلى الله عليه وسلم، فيردون علينا بما يلي:قال الإمام السيوطي: إن ولادته صلى الله عليه وسلم أعظم النعم علينا، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسلوان والكتم عند المصائب، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته دون إظهار الحزن فيه بوفاته.. وآخر يقول بحكم المولد:الاحتفال بالمولد النبوي مباح جائز، بشروط ، منها : أن يخلو من المنكرات والبدع المتفق عليها، ومنها : أن يكون الغرض منه تذكر شمائله والاقتداء بسنته والدعوة إلى ما دعا إليه من الحق والهدى ، وليس المقصود منه مجرد مظهر روتيني سنوي زائف، النفاق الذي فيه أكبر من الإخلاص، ومنها : أن لا يعتقد أن هذا الاحتفال مطلوب شرعا، أي : على جهة الوجوب أو الندب، فإنه أمر لم يرد الشرع بطلب فعله ولا بطلب تركه، فهو على أصل الإباحة، ولذلك فلا يصح أن ينكر على من لم يفعله أو لم يحضره. وأيضاً هل مسألة المولد من العقائديات أم من الفقهيات، وما موقفنا من المخالف في هذه المسألة هل هو مبتدع وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار. أفيدونا بارك الله فيكم.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك في أن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم من النعم العظيمة، وأعظم من ذلك: بعثته ونزول القرآن عليه ودعوته إلى دين الله تعالى، ومع ذلك فلا نعلم أن المسلمين في عصر من العصور احتفلوا واهتموا بيوم بعثته كاحتفالهم واهتمامهم بيوم مولده !!

فالخلاف ليس في اعتبار كون ذلك من النعم، وإنما هو في الهدي النبوي والحكم الشرعي في طريقة التعامل مع هذه النعمة، فمن النعم ما يشكر بذبح القرابين لله رب العالمين، ومنها ما يشكر بالصيام، ومنها ما يشكر بالصدقة، ومنها ما لا يؤدى شكره إلا بالاستقامة على طاعة الله تعالى؛ لجلالتها وعظمتها، كنعمة هذا الدين العظيم والرسالة الخاتمة، والتي ابتدأت المولد، وحصلت بالبعثة.

ومن المقرر أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم أفقه الناس في الدين، وأحرصهم على الخير، وأقومهم بالحق، وأعلمهم بالسنن، وأشكرهم للنعم، وأحبهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلو كان في تحديد يوم المولد شرع متبع، أو هدي مأثور، أو فضيلة في الدين، لسبقوا إليه وعملوا بمقتضاه، من الاحتفال وإظهار الفرح وغير ذلك مما ذكره السائل، هذا مع توفر الداعي وعدم المانع .. والحق المحض هو الوقوف في أمور الديانة على طريقتهم، والتمسك بمنهجهم، وبذلك ينال المرء حظا من الذكر الجميل والثناء الحسن وعاقبة الخير الواردة في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100].

وأما القول الثاني الذي ذكره السائل، فهو وإن كان أقرب للحق من إطلاق القول بالاستحباب، إلا أن ما اشترطه قائل هذا القول: من (أن لا يعتقد أن هذا الاحتفال مطلوب شرعا، أي على جهة الوجوب أو الندب، فإنه أمر لم يرد الشرع بطلب فعله ولا بطلب تركه، فهو على أصل الإباحة) ـ لا يتحقق في الواقع، فما من أحد من المهتمين بالاحتفال بالمولد النبي إلا ويعتقد كون ذلك قربى، ويلتزم له بيوم معين، ويفضل فعله على تركه .. وبذلك يظهر كون هذا الاحتفال من البدع الإضافية، والأصل في العبادات التوقيف، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 127965، 26489، 631. على أنه لم يثبت تعيين يوم لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أصلا !! .

وعلى أية حال فقد سبق لنا الجواب عن بعض الشبهات في مسألة الاحتفال بالمولد، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 62785، 17832، 74863.

وأما الجواب عن آخر السؤال، فهو أن مسألة الاحتفال بالمولد ليست من العقائد والأصول، وإنما هي من الفروع العملية الفقهية، ولا يمكن إنكار أن بعض أهل العلم ـ خاصة من المتأخرين ـ قد قال بمشروعية هذا الاحتفال. وعلى ذلك فموقفنا ممن يقيم مثل هذا الاحتفال هو الموقف من سائر البدع العملية الإضافية: نبين الحق وننصح المخالف ونجادله بالتي هي أحسن.

وأخيرا ننبه السائل الكريم على أن البدع متفاوتة في الرتبة والإنكار، وأنه ليس كل من وقع في بدعة عملية يصح إطلاق القول بأنه مبتدع، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 122307 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.