عنوان الفتوى : نوال العمل بالوساطة بين المشروعية وعدمها
سؤالي عن قضية يقع فيها كثير من الناس، ولكني لم أسمع هذه القضية تثار فقهيا من قبل. القضية هي أن كثيرا من الناس يحصلون على وظائفهم من خلال الواسطة، ومن يفعل ذلك يكون ربما قد استحوذ على فرصة غيره وهو أكفأ وأجدر منه بهذه الوظيفة. الآن الواسطة ربما تكون في شركات حكومية أو شركات خاصة، ولكن لا ننسى أن كثيرا من هذه الشركات الخاصة هي شركات مساهمة مملوكة من قبل عدد كبير من المساهمين، ويستحيل أن يُعرف إن كانوا جميعا موافقين على توظيف شخص ما من خلال واسطته. بلا شك أن الاستحواذ على فرصة الغير في العمل وهو أكفأ فإن هذا فعل حرام من قبل كل من يشارك فيه، لكن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالوساطة شفاعة وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الشفاعة للناس ورغب في مساعدتهم فقال: اشفعوا تؤجروا... الحديث رواه البخاري ومسلم.
وقال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
وقال: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.
وضابط الشفاعة هو بذل شخص جاهه أو نفوذه أو صلاحية تختص به وبمن هو مثله ـ في سبيل حصول آخر على ما هو من حقه لولا عروض بعض العوارض دونه، فهذا النوع منها مشروع وهو ما ليس فيه اعتداء على حق الغير ويستحقه المشفوع له.
وأما الشفاعة في أمر محرم كتزوير أو خداع أو ظلم الغير والاعتداء على حقوقهم ونحو ذلك من إحقاق باطل أو إبطال حق فلا تجوز، وقد قال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا {النساء:85}
وبالتالي فالوساطة التي ذكرت قد يكون منها ما هو مشروع وهو أن يكون الشخص المشفوع له ذا أهلية ويستطيع أداء العمل على أتم وجه وأكمله، وهذا لا حرج فيه على الشافع ولا المشفوع له بخلاف ما ليس كذلك فالشفاعة له إثم، لكن إن أتم العمل وأداه كما ينبغي فلا يحرم عليه الأجر الذي أعطيه عليه، ولا يأثم باكتساب الخبرة من عمله هذا لأنه حقق المقصود وأتى بالعمل على أتم وجه وإن كان سبيله في الحصول عليه غير مشروع. وأما من نال العمل بوساطة ونحوها وهو مع هذا لا يحسن العمل ولا يؤديه على الوجه المطلوب فلا يستحق الأجرة عليه، وما اكتسبه من المال لا يحل له، ويأثم هو ومن شفع فيه لشفاعته السيئة. كما قال تعالى: وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا. {النساء:85}.
وأما لو اكتسب خبرة عملية وصار يتقن العمل فلا حرج فيما يكتسبه من أجر عليه ولا يحرم عليه العمل بمقتضى خبرته وعلمه، لأن ذلك حصله بجهده وكسبه.
وأما كون الشركات مملوكة لكثير من المساهمين ولا يعلم رضاهم وقبولهم لتوظيف موظف ونحوه فذلك لا عبرة به، لأنهم وكلوا الإدارة في تلك المهمة وأناطوا بها مسؤولية اختيار العاملين. فإن أحسنت فذاك وإن أساءت فعليها وزر إساءتها وخيانتها للأمانة، وهي ضامنة أيضا إن حصل إتلاف بسبب تفريطها وتوظيفها لمن لا يحسن العمل ولا يؤديه.
وعلى كل فليس كل من يشفع له لا يتقن العمل ولا يحسنه بل ربما يكون أكثر كفاءة وأغزر علما من غيره ممن نال الوظيفة بغير شفاعة.
وأما شرط حصول العلم بعدم وجود من هو أكفأ وأعلم فلا يمكن اشتراطه لتعذره لأنه لا يتم إلا بالاستقراء التام، ولا يمكن أن نكلف كل متقدم لعمل عن طريق الوساطة أن يستقرأ ويستفرغ جهده في البحث عن مستحق أولى منه بهذا العمل.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 65361.
والله أعلم.