عنوان الفتوى : وقف الدراهم...بين المجيزين والمانعين
توفيت والدتي وأريد أن أضع مبلغاً من المال في بنك فيصل الإسلامي ليصل عائد هذا المبلغ إلى الجمعيات الخيرية مثل معهد الأورام والسرطان فهل تحتسب هذه كصدقة جارية للمتوفاة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان مرادك أن تقف أصل المبلغ، وتجعل عائده لصالح الجمعيات الخيرية، بحيث يخرج المال ويصرف ربحه إلى الجمعيات ويحبس أصله لا يباع ولا يورث، فهذا من الوقف، وهو صدقة جارية تصرف في المصارف التي حددتها أنت أيها الواقف.
وحقيقة الوقف هي: حبس الأصل، وتسبيل الثمرة أو الغلة، وإن شئت قلت: حبس الأصل وتسبيل ناتجه.
والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب قط مالاً أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباح أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث" ، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف، غير متأثل فيه، أو غير متمول فيه. متفق عليه.
ووقف الدراهم والدنانير منع منه أكثر أهل العلم، لأن من شرط الوقف أن يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه.
قال ابن قدامة رحمه الله: وجملته أن ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدنانير والدراهم والمطعوم والمشروب والشمع وأشباهه، لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم؛ إلا شيئاً يحكى عن مالك والأوزاعي في وقف الطعام أنه يجوز، ولم يحكه أصحاب مالك ، وليس بصحيح، لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك، وقيل في الدراهم والدنانير يصح وقفها على قول من أجاز إجارتها ...
لكن نقل جواز وقف الدراهم عن زفر من أصحاب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال له: كيف؟ قال: يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق على الوجه الذي وقف عليه.
وذكر ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية وفي الفتاوى الهندية من كتب الحنفية: الدراهم تقرض للفقراء ثم يقبضها، أو تدفع مضاربة ثم يتصدق بالربح.
وقال المرداوي في الإنصاف: نقلا عن الفائق: يصح وقف الدراهم، فينتفع بها في القرض ونحوه، اختارها شيخنا، يعني به الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) رحمه الله، وقال في الاختيارات: ولو وقف الدراهم على المحتاجين لم يكن جواز هذا بعيداً. انتهى من الإنصاف.
و ما ذهب إليه زفر وأفتى به جماعة من الحنفية والمالكية واختاره شيخ الإسلام هو الراجح.
والله أعلم.