عنوان الفتوى : هل يجوز أن يتلف أو يسرق علب السجائر وآلات الطرب من باب الإنكار

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل تجوز سرقة الحرام؟ كعلبة السجائر أو آلة الطرب أو السبحة أو الصور أو كتاب فاسد ، وغير ذلك ... من باب إبعاد صاحبها عن المعصية والضرر ... أو ردعاً له ... وهل تسمى هذه العملية سرقة؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

علب الدخان وآلات الطرب غير الدف ، والصور الماجنة والكتب المنحرفة لغير المختص ببحثها أو ردها ، كل ذلك من المنكرات التي يجب إنكارها بحسب الاستطاعة والولاية ، فمن أمكنه الإنكار باليد ، كالأب مع أولاده ، أتلفها ، ومن لم يمكنه ذلك أو خشي حدوث مفسدة أكبر أنكر بلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه .

والمقصود بالإتلاف : إزالة ما يمنع استعماله في الحرام ، وليس إتلاف عين هذه الأشياء ؛ لأنها يمكن استعمالها بعد ذلك في أمر مباح ، فآلات الطرب يمكن استعمالها بعد الكسر في إيقاد نار ، أو صناعة شيء مباح . وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله ، وهو مذهب المالكية والشافعية .

وذهب صاحبا أبي حنيفة (محمد بن الحسن وأبو يوسف) ، والحنابلة إلى أنه لو أتلف هذه الأشياء المنكرة لم يضمن .

والذي يظهر هو القول الأول ؛ لأن مال المسلم محترم ، وإذا أمكن إزالة المنكر بالكسر ، لم يجز إتلاف العين .

وينظر : الفتاوى الهندية (5/ 131)، مغني المحتاج (3/ 252)، الإنصاف (6/ 247) ، كشاف القناع (4/ 132)، الموسوعة الفقهية (1/ 219).

قال في "أسنى المطالب" (2/ 344) : "يلزم المكلف القادر كسر الأصنام والصليب وآلات الملاهي إزالةً للمنكر ، إذ يحرم الانتفاع بها ولا حرمة لصنعتها ، والأصل فيه خبر الصحيحين : (والذي نفسي بيده ليوشكن أن يقوم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب , ويقتل الخنزير) ...

وليس له أن يكسرها الكسر الفاحش . قال الزركشي : وينبغي أن يكون محله في الآحاد أما الإمام فله ذلك زجرا وتأديبا على ما قاله الغزالي في إناء الخمر بل أولى ويعذر في  كسر الزائد على الكسر المشروع إن دوفع عن كسره ; لأن دافعه مقصّر " انتهى .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في سياق بيان ما لا ضمان فيه من المحرَّمات:

" قوله : " وكسر مزمار " يعني : كما لا يضمن كسر المزمار ؛ لأن هذا من باب تغيير المنكر ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ) ، ولأن هذه الآلة لا يجوز الإقرار عليها ، وكسرها : وسيلة إلى ذلك ، ولكن إتلافه : يضمن ؛ لأن إتلافه غير كسره ؛ لأن كسره يمنع من استعماله في المحرم ، ولكن تبقى مادة هذا المزمار ينتفع بها في إيقاد نار ، إذا كان من خشب ، أو في صنع قدور ، وأوانٍ إذا كان من حديد ، أما إتلافه بالكلية : فمعناه : أنه أزال عين هذا الشيء ، وإزالة عينه أكثر من إزالة وصفه الذي يصح أن يكون به مزماراً ، ولذلك قال المؤلف : " وكسر مزمار " ".

ثم قال رحمه الله : " إذاً المزمار من آلات العزف التي لا تباح بحال ، وعلى هذا فيجب إتلافه ، فإذا أتلفه متلف لم يكن عليه ضمان.
ولكن من الذي يخاطب في إتلافه ؟
يخاطب في إتلافه من هو بيده ، ويقال له : يجب عليك أن تكسر هذا.
فإن قال : أحرقه أو أكسره؟
قلنا : إن كانت مادته يمكن أن ينتفع بها في شيء مباح فلا تحرقه ، يعني بحيث يحولها إلى صندوق من خشب أو ما أشبه ذلك فلا تتلفه ؛ لأن هذا إنما حرم لا لأنه خشب لكن لكونه استعمل في حرام ، فإذا كان يمكن أن يحول إلى حلال فإنه لا يجوز أن يتلف لأن في ذلك إتلاف مال ...
إذا يخاطب من هي بيده ، ثم يجب على ولاة الأمور أن يكسروها ويتلفوها ؛ لأنهم مسؤولون عن الأمة في هذا الشيء ، وهم قادرون على أن يكسروها وليسوا عاجزين فيلزمهم أن يكسروها ؛ لئلا يشيع المنكر في أمتهم ، وهم إذا اتقوا الله تعالى في الأمة اتقت الأمة ربها فيهم ، وإذا كان الأمر بالعكس صار الأمر بالعكس ؛ لأن من أذل الخلق في طاعة الله أعزه الله بهذه الطاعة ، وهذا شيء مسلم ؛ لذلك يجب على ولاة الأمور أن يكسروا هذه الآلات ؛ لأنها ضرر على المجتمع عامة ، وعلى الأمن وعلى الولاة أيضا ؛ لأن النفوس إذا أبعدت عن الخالق لم ترحم المخلوق ، وهذه الأشياء تبعد الخلق عن الخالق ؛ لأنها تلهي وتصد عن سبيل الله وعن ذكر الله وعن الصلاة .
وهل يجب على الواحد من الناس أن يكسر هذه المزامير ؟
الجواب : لا ؛ لأنه ليس له السلطة .
وهل يجوز أن يكسرها ؟
يُنظر ، إن كان يترتب على ذلك ضرر أكبر فإنه لا يكسرها ، كما لو حصلت فتنة في تكسيرها بأن يقوم صاحبها على هذا وينازعه ويخاصمه وربما يحصل بينهما شر ، فهنا لا يكسرها ولكن إذا سمعها يهرب منها ، وإن لم يكن فتنة بحيث أتى على حين غفلة ووجدها وكسرها فلا بأس ، لكن مع هذا إذا كان يخشى أنه يمكن أن يتتبع حتى يعرف ويحصل الشر والفتنة ، فإنه لا يجوز له أن يكسرها فضلا عن كونه يجب " انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" ( 10 / 219 - 224) .

وبهذا تعلم الفرق بين كسر هذه الأشياء المنكرة وبين إتلاف عينها ، وتعلم من له الحق في ذلك.

وإذا حرم إتلاف عين هذه الأشياء ، لما فيها من الماليّة التي يمكن أن ينتفع بها ، حرمت سرقتها المقتضية الاستيلاء على هذا المال المحترم ، ولأنه قد تحصل فتنة ومنازعات وخصومات بسبب ذلك .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإذا قال قائل : هل يجوز أن أسطو على صاحب آلة اللهو ، وآخذها ، وأكسرها؟
الجواب : "فيه تفصيل ، إذا كان لك سلطة فنعم ، أما إذا لم يكن لك سلطة فلا تفعل ؛ لأن ذلك يسبب فتنة أكبر من بقائها عنده ، وقد تتمكن وقد لا تتمكن ، فقد يدافع هو ولا تتمكن ، ولكن إذا أخذتها خفية وسرا على وجه لم يعلم به ، وكسرتها ، فهذا طيب ، ولا إثم عليك ، وليس فيه فتنة" انتهى .
 وأما استعمال السبحة ففيه خلاف بين العلماء ، والأظهر جواز استعمالها ، وينظر جواب السؤال رقم (3009) .

والله أعلم .