عنوان الفتوى : مسائل في طاعة الوالدين وولاة الأمور
لاحظت أن جزءا كبيرا من مشاكل الناس يرجع إلى فوضى السلطات الشرعية وغير الشرعية في البيت ـ الأسرة ـ والشارع والعمل والدولة ـ وعندي نتيجة أود
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أصبت فيما ذكرت من تقدم طاعة الله على غيره وما ذكرت من طاعة الأبوين والسلطة فيما تحت صلاحياتها وأن كل هذا لا بد فيه من موافقة الشرع، فإن طاعة الخلق لا تجوز في ما ينافي طاعة الله, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.
وقوله صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة على المرء المسلم في ما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد وصححه السيوطي والألباني.
وأما تقييده بالمصلحة الدنيوية: فليس شرطا في مشروعية الطاعة، فإذا أمر من تجب طاعته بما هو مباح فيطاع ولا يشترط رضا القلب، إذ قد يكون هناك مقصد لم يفهمه المأمور.
وإذا تؤكد أنه ليس في أمر السلطة الإدارية مصلحة عامة فقد صرح أهل العلم بوجوب الطاعة ظاهرا لا باطنا، فقد جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية ما يلي: الذي يظهر أن ما أمر به - أي حاكم - مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله، إلا ظاهرا - يعني خشية الضرر، أو الفتنة فقط - بخلاف ما فيه ذلك يجب باطنا أيضا. انتهى.
وفيه أيضا: يتجه الوجوب في المباح، حيث اقتضاه مصلحة عامة لا مطلقا, إلا ظاهرا، لخوف الفتنة والضرر فليتأمل إذا كان كون المصلحة وعمومها بحسب ظنه فظهر عدم ذلك, ويلوح الاكتفاء بالامتثال ظاهرا. اهـ.
وفي حاشية الشربيني على شرح البهجة الوردية: أقول: وكذا مما فيه مصلحة عامة ـ أيضا ـ فيما يظهر إذا كانت تحصل مع الامتثال ظاهرا فقط, وظاهر أن المنهي كالمأمور فيجري فيه جميع ما قاله الشارح في المأمور ويكفي الانكفاف ظاهرا إذا لم تكن مصلحة عامة، أو حصلت مع الانكفاف ظاهرا فقط. اهـ.
وأما الأبناء فيجب برهم وطاعتهم للوالدين مطلقا ويتأكد الأمر إذا شاخا وتقدم الأم على الأب عند التعارض فحق الوالدين عظيم عند الله تعالى, فقد قرن الباري جل وعلا الأمر بعبادته وحده لا شريك له بالإحسان إليهما, قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا { الإسراء: 23}.
وحق الأم آكد في البر والإحسان, قال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ { لقمان: 14}.
وقال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف: 15}.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال: أمك, قال ثم من؟ قال: أمك, قال ثم من؟ قال: أبوك.
وتخرج المرأة عن سلطة الأب نسبيا إذا تزوجت فيجب عليها حينئذ تقديم حق زوجها على أبويها, وذلك لأن طاعته أوكد من طاعة غيره, فقد ورد في الأمر بطاعته والتحذير من مخالفته, والوعيد عليها ما لم يرد في حق غيره, فقد قال صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحد أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه. رواه أحمد وابن ماجه بسند حسن.
وقال الإمام أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها.
وأما تولية المرأة رئاسة، أو نيابة للرئيس: فراجع في حكمه من حيث الأصل الفتوى رقم: 59957.
ويتعين على من رأى المنكر أن ينكره بحسب طاقته, بما لا يؤدي إلى أعظم منه عملا بحديث مسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فمن أمكنه إنكاره بالحجة والبيان وجب عليه ذلك، ومن كانت له سلطة تمكنه من الإنكار باليد كالسلطان العام للمسلمين أو نائبه, وجب عليه ذلك، وأما غير السلطان فليس عليه إلا الإنكار باللسان، لأن تطبيق غير السلطان للحدود قد يؤدي لفتن أعظم.
والله أعلم.