عنوان الفتوى : عقوبة المرتد ثابتة بالنص والإجماع
ما هو حكم المرتد في الإسلام؟ حيث ذكر أحد المفكرين بأن المرتد عن الإسلام لا يجب قتله، واستشهد بثلاث آيات من القرآن الكريم وأن الله سوف يعاقبه وليس للبشر حق عقابه، وعند ما سئل عن حروب الرده قال إنها تختلف كليا، لأنها جماعية وانشقاق عن الدولة الإسلامية، فأرجو منكم الإيضاح حول هذا الموضوع وأكون لكم من الشاكرين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي، وقد أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على عقوبة المرتد، وجمهورهم ـ بما فيهم المذاهب الأربعة وغيرها ـ أنها القتل، لصريح الأحاديث النبوية في هذا، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاذ وأبي موسى وابن عباس وخالد وغيرهم، ولم ينكر ذلك فكان إجماعاً. انتهى.
وراجع في الأدلة الواقعية والنقلية على وجوب قتل المرتد الفتوى رقم: 13987.
وأما ما يستدل به هؤلاء المخالفون من آيات القرآن: فلا علاقة له بحد الردة، وإنما علاقته بحرية الاعتقاد والتدين، وهذا قد كفلته الشريعة للكفار الأصلين، فلم تحكم بإجبارهم على الإسلام، وفي هذا المقام يُذكر نحو قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ {البقرة:256}.
وقوله سبحانه: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ.{الكهف:29} ، وقوله عز وجل: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {الكافرون:6}.
وأما المسلم الأصلي، أو الكافر الذي دخل في الإسلام باختياره: فلا يسعه أن يخرج منه وإلا فهو ممن يوصفون بالخيانة العظمى، وهذا هو الذي يستحق العقوبة، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 139402.
وأما موضوع حروب الردة: فليس من الصواب أن يستشهد بها على مسألة حد الردة، فإن المرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كان لهم قوة وشوكة ومنعة، فلم تكن المسألة مجرد إقامة حد، ثم إن المحاربين فيها لم يكونوا جميعاً مرتدين، بل كان معهم مانعوا الزكاة الذين امتنعوا عن دفعها إلى أبي بكر لشبهة علقت بأذهانهم، ولذلك اختلف الصحابة في قتالهم أول الأمر ثم اجتمعوا على ما رآه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وفي هذا ورد الحديث المشهور عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق متفق عليه.
ثم إننا لسنا في حاجة إلى الالتفات لموضوع حروب الردة في مسألة حد الردة، لأنه قد ورد في خصوصها سنة ثابتة، وأجمع عليها أهل العلم ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ وهناك أبحاث متخصصة في بيان حد الردة والرد على منكريه، كرسالة الدكتور: عبد الله الأهدل: قتل المرتد إذا لم يتب ـ وبحث الدكتور: عماد الشربيني: عقوبتا الزاني والمرتد ودفع الشبهات.
والله أعلم.