عنوان الفتوى : موقف المسلم إذا أجبر بالقانون على التأمين على تجارته
أرجو أن يصلكم سؤالي وأن يكون بإمكانكم إجابتي في أقرب وقت ـ بارك الله فيكم ـ فقد عرضت لي إمكانية لفتح محل للتجارة ويجب أن أقرر في أقرب وقت، ولكنني أنتظر الحكم الشرعي: قرأت الكثير عن التأمين التجاري وعرفت أنه محرم بجميع أنواعه للغرر الذي فيه، وقد قيل إن الغرر يجوز للحاجة بخلاف الربا الذي لا يجوز إلا للضرورة، فهل يعتبر فتح محل للتجارة والتأمين عليه وعلى التجارة نفسها البضاعة أو الخدمة ـ وهو أمر إجباري في فرنسا، ولا يوجد تأمين تعاوني بها ـ فهل يعتبر من حاجات الناس التي تجوز التأمين التجاري؟ أرجو إجابتي بصفة عامة، وأيضا عن الحالات الخاصة التالية: 1ـ إذا كان هذا الاستثمار للمساهمة في سد حاجة الناس للمأكولات الحلال التي هي غير متوفرة بشكل كاف للمسلمين هنا.2ـ إذا كان هذا الاستثمار لفتح مكتب أسفار والمساهمة في سد حاجة الناس للحج، علما بأن وزارة الحج بالمملكة تفرض على مسلمي فرنسا أن يكون حجهم عن طريق مكتب أسفار، وهو ما يستوجب التأمين عليه علما بأن الأسعار التي تفرضها مكاتب الأسفار هنا مشطة جدا مقابل خدمات رديئة غالبا. وهل القيام بهذا التأمين على تجارة الأصل فيها الحلية يعد سببا موجبا لعدم بقائي في دار الكفر؟ وبما أنني أتعاطى هذه المعاملات المحرمة المفروضة على كل تجارة هنا أعتبر غير قادر على المحافظة على ديني، أرجو البيان لي ولغيري معنى: المحافظة على الدين في دار الكفر ـ مع العلم أن هنالك في الأفق القريب مورد رزق آخر لي، ولكنه غير مؤكد الحصول وتمكنني التجارة في بلد آخر ـ لا لوجود التأمين التعاوني فيه، إذ يكاد يكون معدوما في أرض الله والبلوى عامة ـ بل لعدم فرض التأمين على التجارة هناك، أرجو التفصيل وعدم إحالتي على فتاوى أخرى، فلم أجد فيها ما يجيب على أسألتي الآنفة والأمر مستعجال. وجزاكم الله خيرالجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجبنا عن سؤالك في الفتوى رقم: 140219، وذكرنا لك حكم ما تود الإقدام عليه، وإنما أحلناك إلى فتاوى سابقة لتقف على مزيد تفصيل، أما الحكم فقد ذكر: وهو أن حرمة التأمين التجاري ليس لما فيه من الغرر فحسب، بل لما فيه ـ كذلك ـ من الربا والمقامرة والرهان والضرر وأكل المال بالباطل، وبالتالي، فلا يجوز الإقدام عليه اختياراً، لكن من أكره عليه ولم يستطع التخلص منه ولو بالحيلة فيسعه ما يسع المكره، فيجوز له الدخول فيه ويكون الإثم على من أكرهه، لكن يجب عليه أن يقتصر من ذلك التأمين المحرم على الحد الأدنى المقبول منه قانوناً، لأن الضرورة تقدر بقدرها، كما أنه ليس له أن يأخذ منه إلا بقدر ما اشتركت به، وأما ما زاد على ذلك فلا حق له فيه وإن دفع إليه فليتخلص منه بصرفه في مصالح المسلمين وليدفعه إلى الفقراء والمساكين.
ونرى أن حالتك من هذا القبيل بناء على ما ذكرت في السؤال، حيث إنك مجبر بالقانون على التأمين على تجارتك وما تود الدخول فيه من المعاملات المباحة وقد عمت البلوى بهذا التأمين، فلا حرج عليك فيه، لكن وفق الضوابط المبينة سابقاً، ولا يعتبر هذا سبباً يوجب عليك مفارقة البلاد التي تقيم فيها إن كنت تستطيع أداء شعائر دينك وفعل ما افترض عليك من واجبات شرعية وإظهارها وآمن من الفتنة في ذلك، وكذلك الحكم في حق غيرك من المسلمين المقيمين بمثل تلك البلاد، فالهجرة إنما تجب عند العجز عن إظهار شعائر الدين وأداء فرائضه وخشية الفتنة في ذلك، كالمرأة إذا منعت من حجابها الشرعي وفرض عليها خلعه مطلقاً، وكذا لو منع المسلم من أداء الصلاة أو الصيام أو الزكاة ونحو ذلك من فرائض الإسلام وشرائعه، جاء في روضة الطالبين من كتب الشافعية، والمغني من كتب الحنابلة ما ملخصه: أن المسلم إن كان قادراً على إظهار دينه في دار الكفر ولم يخف الفتنة في الدين فالهجرة في حقه غير واجبة.
والله أعلم.