عنوان الفتوى : حكم من مسح خفيه بفضل ماء بقي في يديه بعد مسح رأسه
هل يجب أخذ ماء جديد للمسح على الخف، فلو قام شخص بالمسح على الخف من الماء الذي بقي من فضلة مسح رأسه وأذنه هل يجزىء ذلك أم لا؟ وإذا كانت المسألة خلاف بين أهل العلم فأرجو أن تفيدونا بأقوالهم وأن ترجحوا لنا أحد هذه الأقوال .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة تنبني على خلاف العلماء في الماء المستعمل، وفيه للعلماء أقوال، ومذهب الجمهور أنه طاهر خلافا لمن قال بنجاسته لكنه غير مطهر خلافا لمن ذهب إلى كونه طاهرا مطهرا من العلماء.
قال النووي في شرح المهذب: فأما كونه -أي الماء المستعمل- طاهرا فقد قال به مالك وأحمد وجمهور السلف والخلف ، وقال أبو يوسف : نجس، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات ، إحداها : رواية محمد بن الحسن : طاهر كمذهبنا ، قال صاحب الشامل وغيره : وهو المشهور عنه . والثانية : نجس نجاسة مخففة ، والثالثة : نجس نجاسة مغلظة. ثم استدل النووي على طهارته بأدلة ظاهرة، وناقش القائلين بالنجاسة مناقشة حسنة، ثم قال: وأما كونه ليس بمطهر فقال به أيضا أبو حنيفة وأحمد وهو رواية عن مالك ، ولم يذكر ابن المنذر عنه غيرها ، وذهب طوائف إلى أنه مطهر وهو قول الزهري ، ومالك والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما، وأبي ثور وداود . وقال ابن المنذر : وروي عن علي وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعي أنهم قالوا : فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك البلل.
قال ابن المنذر : وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا ، قال : وبه أقول.
ثم ساق النووي حجج الفريقين فأجاد وأفاد، وقد انتصر لمذهب الجمهور وهو القول بأن الماء المستعمل طاهر غير مطهر، ومن أدلة القائلين بطهورية الماء المستعمل حديث مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بفضل ماء يديه، ومسح رأسه ببلل لحيته وعصر شعره على لمعة لم يصبها الماء، وقد أجاب النووي عن هذه الأحاديث بتضعيفها، وعلى فرض صحتها فتحمل على الغسلة الثانية والثالثة لأنها مستحبة، والماء المستعمل في طهارة مستحبة لا يمتنع التطهر به.
قال رحمه الله: وأما قولهم : مسح رأسه ببلل لحيته فجوابه من وجهين أحدهما : أنه ضعيف، والثاني : حمله على بلل الغسلة الثانية والثالثة وهو مطهر على الصحيح . وأما قولهم : اغتسل وترك لمعة ثم عصر عليها شعرا فجوابه من أوجه ، أحدها : أنه ضعيف وقد بين الدارقطني ثم البيهقي ضعفه ، قال البيهقي : وإنما هو من كلام النخعي، الثاني : لو صح لحمل على بلل باق من الغسلة الثالثة . الثالث : أن حكم الاستعمال إنما يثبت بعد الانفصال عن العضو ، وهذا لم ينفصل. انتهى.
وإنما نقلنا لك هذا ليتبين لك أن ما سألت عنه من هذا الباب، وأن من مسح خفيه بفضل ماء بقي في يديه بعد مسح رأسه، فإن كانت المسحة الثانية أو الثالثة لم يضر وصحت طهارته بذلك، وإن كانت المسحة الأولى ففي صحة مسحه على الخفين والحال هذه الخلاف في صحة التطهر بالماء المستعمل في طهارة واجبة، وقد يكون القول بصحة التطهر بالماء المستعمل قويا متجها، فهو أرجح فيما يظهر من حيث الدليل، ولكن الاحتياط والخروج من خلاف العلماء أولى، وذلك حرصا على أن تصح العبادة بيقين، ولذا فالذي نراه هو تجنب استعمال الماء المستعمل في طهارة واجبة خروجا من خلاف جمهور العلماء.
والله أعلم.