عنوان الفتوى : المسح على الجوربين بين المانعين والمجيزين
بخصوص الفتوى: 392671 -جزاكم الله خيرا، وزادكم تواضعا- وكان هذا هو الظن بكم. أما أنا فأقوم ببحث في مسألة المسح على الجورب، وأرجو مساعدتكم بتصحيح ما ذهبت إليه، أو تأييدي إن اعتبرتم ما أقول. باختصار: في هذا البحث أريد أن أرد على من يقول إن جوارب الصحابة، كانت غير الجوارب الموجودة في هذا الزمان. وأن هذا الجورب المعروف بالشراب في عصرنا، لم يكن معروفا عندهم، ولا يجوز المسح عليه. قلت: أولا: لا يوجد دليل على أن جوارب الصحابة كانت غير الجوارب المعروفة عندنا، بل إن في حديث المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، مسح علي جوربيه ونعليه، ما يفيد أن الجوارب التي تلبس تحت النعال كانت معروفه عندهم، وإن كان الحديث ضعيفا سندا، إلا أن متنه غير مستنكر عند العلماء. وفي آثار الصحابة كما عند عبد الرزاق، عن الثوري عن الزبرقان عن كعب بن عبد الله قال: رأيت عليا -رضي الله عنه- بال، ثم مسح على جوربيه ونعليه، ثم قام يصلي. وليس الكلام على ثبوت الأثر، ولكن في معنى المتن، الذي يثبت وجود هذا الشيء في ذلك الزمان. فلما ثبت إباحة المسح على الجورب عن ثلاثة عشر صحابيا، فالذي يقول بالتقييد والتخصيص بجورب معين، لزمه الدليل؛ لأنه فرق بين جورب وجورب، ولا دليل على ذلك. ثانيا: يقول الإمام النووي في المجموع: لا يجوز المسح على الجورب مطلقا، ولو صح حديث المغيرة بن شعبة، لحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه، جمعا بين الأدلة. انتهى كلامه. قلنا: لماذا (جمعا بين الأدلة) وهل يوجد أدلة متعارضة نحتاج للجمع بينها وبين هذا الخبر (إن ثبت) فنقول بالتقييد حتى يصح الجمع؟ ولماذا يحمل على متابعة المشي عليه، وهو أصلا مما يلبس تحت النعل؟ وثالثا: وإن افترضنا أن جوارب الصحابة كانت غير الجوارب المعروفة في هذا الزمان. فلماذا كما كان السفر في زمانهم، غير السفر في زماننا، والوسائل غير الوسائل، ومع ذلك ترخصنا برخص السفر وكانت رخصة عامة؟ هذا ما ذهبت إليه (ثلاث نقاط) أرجو إبداء رأي حضراتكم فيهم. ولم أزل أعرض هذا البحث على أهل العلم الموثوقين من أجل نصحي، حتى لا أضل. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسألة خلافية -كما تعرف- والمانع من المسح على الجوارب مطلقا، يتمسك بأن الرخصة وردت في الخف، فلا يتعدى بها إلى غيره.
ومجيز المسح على الجوارب، مشترطا كونها ثخينة، يرى أن المعنى المقتضي لتجويز المسح عليها، هو كونها صالحة لمتابعة المشي فيها؛ لأن غيرها لا يشق نزعه، ولا يحتاج إلى لبسه كالحاجة إلى غيره.
والمجيز مطلقا؛ كما هو وجه عند الشافعية، والمنقول عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- كما ذكره النووي في شرح المهذب. وهو ظاهر كلام أبي محمد ابن حزم، فإنه يستدل بعموم الرخصة في المسح على ما يلبس في الرجل، وعدم ورود ما يصلح للتمسك به في التفريق بين ملبوس وغيره.
فهذه مآخذ العلماء في المسألة باختصار.
وبعد: فالمسألة من مسائل الخلاف السائغ التي لا تحتاج إلى تشنج وانفعال، بل كلها آراء معتبرة. والقائل بها مجتهد، دائر بين الأجر والأجرين، وللمقلد أن يقلد أيا ممن يثق به من قائلي هذه الأقوال، وتبرأ ذمته بذلك. وانظر لما على العامي فعله عند الخلاف، فتوانا: 169801.
ونصيحتنا لك هي ألا تشغل نفسك بهذه المسألة، فتعطيها أكبر مما تستحق، فإنها مسألة عادية شأنها شأن غيرها من مسائل الخلاف الكثيرة.
واجتهد في تعلم العلم النافع والتحقق به، ولا تدخل نفسك في غمار الأخذ والرد بين أهل العلم حتى تحكم أصول العلم، وتتقن مذهبا معتبرا، إتقانا يؤهلك بعدها للنظر والتمحيص. وأما مع قصور الآلة، فلا تتقحم ما لا تحسن، ولا تقف ما ليس لك به علم. رزقنا الله وإياك العلم النافع، والعمل الصالح.
والله أعلم.