عنوان الفتوى : هل يضمن الصبي إذا وكل في توصيل مال فتعدى عليه
عندما كنت في الـ 13 أو الـ 12 من عمري كان والدي يعطيني مالا لكى أعطي ولدا من عائلتي في المدرسة، والولد يتيم، وكنت أخبر والدي بأني سأعطيه المال، ولكن عندما أصل إلى المدرسة لا أعطيه، وإنما آخذه لنفسي. وقد تبت إلى الله، والان ماذا علي أن أفعل ؟ هل أرد المبلغ إلى والدي؟ أم أنّ توبتي تكفي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا المال أمانة مرسلة إلى ذلك اليتيم، وليس من شك في أنك إن كنت فعلت ذلك بعد بلوغك فقد ارتكبت إثما كبيرا في خيانة ما ائتمنت عليه من المال، وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بشخص يتيم، فقد ورد في حديث شريف: اللهم إني أحرج حق الضعيفين؛ اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه وأحمد.
فعليك أولا أن تتوب إلى الله من هذا الذنب، وأن تعزم على عدم العودة إلى مثله مرة أخرى، مع العلم أن توبتك لا تتحقق هنا إلا برد ما أخذته، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح.
وفي خصوص من يرد إليه المال فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه يصح رده إلى المرسِل، لأنه لم يخرج عن ملكه، وإلى المرسَل إليه عند من لا يرى بطلان الوكالة بالتعدي.
فأما إيصاله إلى المرسَل إليه فلأن ذلك هو ما أمرت به، وهو مقتضى الوكالة التي جعلها لك أبوك، وتعديك على ما وكلت فيه لا تبطل به الوكالة عند كثير من أهل العلم، جاء في المغني: فصل: ولا تبطل الوكالة بالتعدي فيما وكل فيه، مثل أن يلبس الثوب ويركب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والوجه الثاني تبطل الوكالة لأنها عقد أمانة فتبطل بالتعدي كالوديعة.
ولنا أنه إذا تصرف فقد تصرف بإذن موكله فصح كما لو لم يتعد، ويفارق الوديعة من جهة أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة، والوكالة إذن في التصرف تضمنت الأمانة، فإذا انتفت الأمانة بالتعدي بقي الإذن بحاله.... انتهى.
وأما رده إلى أبيك فلأنه باق على ملكه ما لم يقبضه المرسل إليه، وأنت وكيل في إيصاله إليه، والوكالة إذا كانت بغير أجر فإنها غير لازمة.
جاء في الفقه الإسلامي وأدلته للشيخ وهبة الزحيلي: اتفق الفقهاء على أن عقد الوكالة بغير أجر جائز غير لازم بالنسبة للعاقدين، أما من جانب الموكل: فلأنه قد يرى المصلحة في ترك ما وكل فيه، أو في توكيل شخص آخر. وأما من جانب الوكيل: فلأنه قد لا يتفرغ لأعمال الوكالة، فيكون لزوم العقد مضرا بالطرفين. وبناء عليه، لكل من طرفي عقد الوكالة الرجوع عنه متى شاء، وتنتهي حينئذ الوكالة. انتهى.
وأما إن كان هذا التصرف قد صدر منك قبل بلوغ الحلم فإنك لا تأثم به، لأن القلم مرفوع عنك حيئنذ، لما في الحديث الشريف: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل. رواه أحمد والترمذي.
أما المال فقد اختلف أهل العلم في ضمانه على النحو التالي:
جاء في الفتاوى الهندية: ولو أن رجلا أودع هذا السفيه مالا واستهلكه بمحضر من الشهود لا يضمن لا في الحال ولا بعدما صار مصلحا لماله في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله، ولو كان يرى الحجر وهو قول محمد رحمه الله تعالى، وعند أبي يوسف ـ رحمه الله تعالى ـ يضمن وكان الجواب فيه كالجواب في الصبي المحجور إذا استهلك ما كان وديعة عنده بمحضر من الشهود، فإنه لا يضمن عندهما، وضمن عند أبي يوسف رحمه الله تعالى.
وجاء في الدسوقي أنه لا ضمان عليه ما لم يصن به ماله قال: ومحل عدم الضمان أيضا في الوديعة، والقراض، والمبيع ما لم يصن الصبي أو السفيه ماله بما أخذه وإلا ضمن ما أتلفه في المال الذي صونه به أي إنه يضمن القدر الذي صونه فقط مما كان ينفق مثله عادة.
وقريب من هذا جاء في تحفة الحكام حيث قال صاحبها:
وكل ما أتلفه المحجور * فغرمه من ماله المشهور
إلا لمن طوعا إليه صرفه * وفي سوى مصلحة قد أتلفه
وفي المنهاج من كتب الشافعية:
ولو أودع صبيا مالا فتلف عنده لم يضمن، وإن أتلفه ضمن في الأصح.
وفي الفروع لابن مفلح: (المسألة الأولى) إذا أودع الصبي أو المجنون أو السفيه أو العبد مالا فأتلفوه فهل يضمنونه أم لا؟ أم يضمن العبد وحده؟ أم هو والسفيه؟ ذكر فيه أقوالا، أطلق الخلاف.
أما الصبي إذا أتلف الوديعة فهل يضمنها أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المحرر، والفائق في هذا الباب، وأطلقه في باب الوديعة في الهداية والمذهب والمستوعب والتخليص والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم...
فعلى احتمال صدور هذا التعدي منك وخيانة الأمانة قبل البلوغ ففي ضمانك هذا الخلاف الذي ذكر فيه كلام أهل العلم، والخروج من خلافهم أحوط كما هو معلوم.
والله أعلم.