عنوان الفتوى : معنى حديث: ولكل واحد منهم زوجتان
أولا: نشكركم على مجهودكم وردودكم على تساؤلاتنا. ثانيا: أود أن أستفسر عن شيء قرأته في فتوى من فتاويكم: وهو أن أقل عدد للرجل من الزوجات من نساء الدنيا في الجنة هو زوجتان، أريد أن أعرف الأحاديث الصحيحة التي ورد فيها ذلك، وهل ذكر في هذه الأحاديث صراحة أن هاتين الزوجتين من نساء الدنيا؟ أم أن اللفظ المذكور في الأحاديث زوجتين دون تخصيص؟ وهل القول بأن أقل عدد هو زوجتين من نساء الدنيا قول أكيد مبني على نصوص صريحة؟ أم هو اجتهاد لبعض العلماء؟ وهل هناك من العلماء من خالف ذلك القول؟ أم أن هناك إجماعا على ذلك؟ فمن المعلوم ـ كما تقولون ـ أن الرجال في الدنيا يتمنون أن يكون لهم أكثر من زوجة لذلك وعد الله الصالح منهم بحور العين، لأن الجنة فيها كل ما تشتهيه نفس الإنسان، وفي نفس الوقت لن تتضرر زوجته من نساء الدنيا من حور العين، لأنها ستكون أفضل منهن، ولكن من المعلوم ـ أيضا ـ أن أي امرأة طبيعية تتمنى أن تكون هي المتربعة على عرش قلب زوجها، فإذا كانت لن تتضرر من الحور لأفضليتها عليهن فما شأن الزوجات الأخريات من نساء الدنيا؟ ستقولون لي إن الجنة ليس فيها حقد ولا غل ولا حسد، حسنا، ولكنها تتمنى أن تكون هي الوحيدة المتربعة على قلب زوجها كما يتمنى الرجل أن يكون له أكثر من زوجة، وقد حقق الله للرجل أمنيته بحور العين، لأن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، لكن ماذا عن ما تشتهيه نفس المرأة؟ أيتحقق للرجل ما تشتهيه نفسه ولا يتحقق للمرأة ما تشتهيه نفسها من أن تكون أفضل واحدة عند زوجها؟ التعدد في الدنيا مباح، لما فيه من المصالح والتعدد في الآخرة بحور العين موجود حتى تتحقق أمنيات الرجل، أما التعدد بنسائه من الدنيا في الآخرة، فما معناه؟ أنا لا أعترض على أمر الله، ولكنني أريد الاستفسار، وأرجو أن لا تقولوا لي إن الرجل الطبيعي يشتهي أن تكون له أكثر من زوجة، أما المرأة الطبيعة فلا تشتهي أن يكون لها أكثر من زوج، فأنا لم أتكلم عن هذا مطلقا ولم أقل إن النساء يردن أن يكون لهن أكثر من زوج في الجنة، لأنني مقتنعة أن هذا أمر غير طبيعي ومقتنعة ـ أيضا ـ أن رغبة الرجل فى أكثر من زوجة أمر طبيعي، ولكن رغبته هذه ستتحقق بحور العين، فما معنى التعدد ـ أيضا ـ بنسائه من الدنيا في الآخرة؟ أرجو التوضيح مع ذكر الأحاديث الخاصة بذلك، وما إذا كان هذا الكلام مؤكدا ومبني على ألفاظ صريحة فى النصوص الشرعية؟ أم أنه مجرد اجتهاد ربما يكون صحيحا وربما يكون خاطئا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر أهون مما ذهبت إليه السائلة، فكما أنها تعتقد أن الزوجة من نساء الدنيا لن تتضرر من الحوريات، لأنها ستكون أفضل منهن، فلتعتقد كذلك أن كل زوجة من نساء الدنيا سترى أنها أفضل من غيرها عند زوجها، وبذلك يكون حكم من عداها من الزوجات هو حكم الحورية، ومما يقرب هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم ـ وما فيهم من دني ـ على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
فلا يبعد أن ترى كل زوجة من نساء الدنيا أنها الأفضل والأحظى عند زوجها في الجنة، كما أن أصحاب الكراسي لا يرون أن أصحاب المنابر في سوق الجنة أفضل منهم مجلسا.
ثم ننبه على أن هذا الأمر لا محيد عنه، لأننا نقطع أن من الرجال من يتزوج في الدنيا بأكثر من امرأة، وهو وجميع نسائه من أهل الجنة، فكيف سيكون حال هؤلاء النسوة في الجنة؟ ويكفي أن نتذكر حال أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن جميعا ـ وهن من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وجواب ذلك هو ما تقدم من أنه لا يبعد أن ترى كل واحدة أنها الأحظى عند زوجها، لأن الجنة ليس فيها كدر، كما يفهم من قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تحبرون* يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. { الزخرف: 71ـ70 }.
على أننا قد قدمنا أن طبيعة المرأة في الجنة غير طبيعتها في الدنيا، فالزوجات فيها خيرات حسان، لا اختلاف ولا تباغض بينهن، قلوبهن على قلب واحد.
وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 12994، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 10579، ورقم: 60378.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن. متفق عليه.
فإنه وإن كان بعض أهل العلم نص على أن هاتين الزوجتين من نساء الدنيا، إلا أن الصواب أنهما من الحور العين، وهذا نص رواية عند البخاري، ولفظها: لكل امرئ زوجتان من الحور العين.
وهذا ما استظهره ابن القيم في حادي الأرواح، واستدل بهذه الرواية وعزاه للإمام أحمد.
وقد نقل القاري في مرقاة المفاتيح، والمباركفوري في تحفة الأحوذي: عن الطيبي قوله: الظاهر أن التثنية للتكرير لا للتحديد، كقوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين ـ لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين. هـ.
والله أعلم.