أرشيف المقالات

خوف زعماء قريش على مكانتهم عند بدء الدعوة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
خوف زعماء قريش على مكانتهم عند بدء الدعوة

من الأمور التي يظهر فيها أثر تباع الهوى في الصدود عن الحق:
الحرص على المكانة والرئاسة والجاه.
 
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إن من أسباب الضلال: (مانع الرياسة والملك، وإن لم يقم بصاحبه حسد ولا تكبر عن الانقياد للحق، لكن لا يمكن أن يجتمع له الانقياد وملكه ورياسته، فيضن بملكه ورياسته كحال هرقل [1] وأضرابه من ملوك الكفار الذين علموا بنبوته وصدقه، وأقرُّوا بها باطنا، وأحبوا الدخول في دينه، ولكن خافوا على ملكهم، وهذا داء أرباب الملك والولاية والرياسة، وقل من نجا منه إلا من عصم الله) [2]، فأصحاب المطامع السياسية يجدون أن دين الحق ومعتقداته الراسخة في نفوس المؤمنين، عقبة في طريقهم إلى سدة الحكم، فيعلنون حربهم لهذا الدين[3].
 
ولعل من أهم الأسباب التي تتصل بالتقاليد القائمة في مكة، وسبب الصدود عن دين الله، خوف الزعامة القرشية وأغنياء مكة معاً على ما كان لهم ولمكة من مركز ومنافع أدبية، ومادية عظيمة، بسبب وجود بيت الله في مكة، وسدانتهم له، فقد كان البيت الحرام مثابة وأمنا لجميع العرب، وكانوا يعتبرون قريشا إماما لهم، في الأمور الدينية والدنيوية، وكانت هذه الإمامة تحفظ لهؤلاء عزة الجانب، ووفرة الحرمة، فكان الخوف ناشئا في نفوسهم، من أن نجاح الدعوة الجديدة، سيكون سبباً لانصراف الناس عن مكة، فكانوا يرون في الدعوة الإسلامية تهديداً لذلك المركز العظيم والمنافع الكبرى، فتشددوا في معارضتها ومناوأتها [4].
 
وقد أظهرت بعض القبائل العربية حبها للرئاسة والحكم، وحاولت اتخاذ دعوة الإسلام مطية لها لتصل بها إلى الرياسة والحكم، ومن ذلك ما حدث والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه الكريمة على أحياء العرب في مواسم الحج، كي يؤوه وينصروه، حتى يؤدي رسالة ربه، فقال‎ رجل منهم: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش، لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من يخالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك، قال: ((إن الأمر لله يضعه حيث يشاء)).
فقال: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك.
فأبوا عليه [5].
 
ومثلهم هوذة بن علي الحنفي[6]، لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فقال: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله...
فاجعل لي بعض الأمر أتبعك[7].
 
ومن حكمته صلى الله عليه وسلم وحسن سياسته وتدبيره الحسن للأمور، إقراره لمن كتب إليهم يدعوهم، بأن يبقوا في ملكهم[8]، إذا أسلموا[9].

[1] قال الإمام النووي عنه: (أنه لا عذر له في هذا، لأنه قد عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما شح في الملك ورغب في الرياسة..
ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة)
.
صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 107.

[2]مفتاح دار السعادة 1/ 96.

[3] بتصرف، العقيدة الإسلامية وأسسها ص 697.

[4] بتصرف، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صور مقتبسة من القرآن الكريم 1/ 181، وانظر أصول الدعوة ص 385.

[5] بتصرف، البداية والنهاية 3/ 140.

[6] هو هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو الحنفي، صاحب اليمامة، وشاعر بني حنيفة وخطيبها قبل الإسلام، كان له قدر عال، وكان يسمى:( ذو التاج)، لأنه دخل على كسرى فدعا بعقد من در فعقد على رأسه، وقيل: كانت له خرزات تنظم فيجعل على رأسه تشبها بالملوك، وقد جاء خبر وفاته للنبي صلى الله عليه وسلم منصرفه عام الفتح، بتصرف، الطبقات الكبرى 1/ 262، الأعلام 8/ 102.

[7] بتصرف، الطبقات الكبرى 1/ 262.

[8] بتصرف، السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص 525.

[9] انظر على سبيل المثال قصة إرساله عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندي الأزديين، ملكي عمان، فقد ورد في كتابه لهما: وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما..
الخ.
الطبقات الكبرى 1/ 262.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢