عنوان الفتوى : تضعيف جمع من العلماء لحديث: خلق الله التربة يوم السبت
قال ابن باز رحمه الله: ومما أُخذ على مسلم رحمه الله رواية حديث أبي هريرة : إن الله خلق التربة يوم السبت، الحديث. والصواب أن بعض رواته وهم برفعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار؛ لأن الآيات القرآنية والأحاديث القرآنية الصحيحة كلها قد دلت على أن الله سبحانه قد خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة؛ وبذلك علم أهل العلم غلط من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله خلق التربة يوم السبت، وغلط كعب الأحبار ومن قال بقوله في ذلك، وإنما ذلك من الإسرائيليات الباطلة. والله ولي التوفيق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الحديث مما اختلف أهل العلم قديما وحديثا في صحته، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 35560. وأكثر المحققين والجهابذة الكبار على إعلاله.
قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية): اختلف فيه على ابن جريج، وقد تكلم في هذا الحديث علي بن المديني، والبخاري، والبيهقي وغيرهم من الحفاظ، قال البخاري في (التاريخ): وقال بعضهم عن كعب وهو أصح. يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة وتلقاه من كعب الأحبار، فإنهما كان يصطحبان ويتجالسان للحديث، فهذا يحدثه عن صحفه وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكد رفعه بقوله: أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي. ثم في متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لأن الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين .. اهـ.
وقال الطبري في تاريخه: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: اليوم الذي ابتدأ الله تعالى ذكره فيه خلق السموات والأرض يوم الأحد؛ لإجماع السلف من أهل العلم على ذلك. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): ومما قد يسمى صحيحا ما يصححه بعض علماء الحديث وآخرون يخالفونهم في تصحيحه فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح. مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه ونازعه في صحتها غيره من أهل العلم، إما مثله أو دونه أو فوقه، فهذا لا يجزم بصدقه إلا بدليل ... ومثله حديث: "إن الله خلق التربة يوم السبت ... ". فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم، مثل: يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما، وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار، وطائفة اعتبرت صحته مثل أبي بكر بن الأنباري وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهما. والبيهقي وغيره وافقوا الذين ضعفوه، وهذا هو الصواب؛ لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة، فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد، وهكذا هو عند أهل الكتاب، وعلى ذلك تدل أسماء الأيام، وهذا هو المنقول الثابت في أحاديث وآثار أخر، ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق في الأيام السبعة، وهو خلاف ما أخبر به القرآن، مع أن حذاق أهل الحديث يثبتون علة هذا الحديث من غير هذه الجهة، وأن روايه فلان غلط فيه لأمور يذكرونها، وهذا الذي يسمى معرفة علل الحديث، بكون الحديث إسناده في الظاهر جيدا ولكن عرف من طريق آخر أن راويه غلط فرفعه وهو موقوف، أو أسنده وهو مرسل، أو دخل عليه حديث في حديث .. اهـ.
وقد رجح ضعفه الشيخ الدكتور سليمان الدبيخي، في رسالته القيمة للدكتوراه (أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين) وقال: أنه مخالف لصريح القرآن، وقد ضعفه جمع من الأئمة وأهل العلم بالعلل والأسانيد من جهة سنده ومتنه. اهـ.
وإذا تقرر هذا، عرف أن مراد الشيخ ابن باز بكون ذلك من الإسرائيليات أنه مأخوذ عن كعب الأحبار، وأن رواية رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم وهم وخطأ.
ثم ننبه على أن الحكم ببطلانه ليس لمجرد كونه من الإسرائيليات، وإنما لمخالفته للقرآن. وراجع في حكم رواية الإسرائيليات الفتويين:134649 ، 71171.
والله أعلم.