عنوان الفتوى : حكم راتب من يعمل بمكتبة تبيع الكتب المنسوخة بدون إذن أصحابها
أنا شاب أعمل في مكتبة لتوزيع الكتب الأجنبية، وقد بدأت إدارة المكتبة منذ سنوات بعملية تزوير الكتب ونسخها وبيعها بالسوق من دون إذن الناشر، الناشرون غير مسلمين طبعا، من المعروف خُلقاً وشرعاً لا يجوز أخذ حقوق الغير حتى ولو كانوا غير مسلمين، سؤالي هو: هل الراتب الذي أتقاضاه هو مال حلال أم حرام؟ وماذا عن السنوات الماضية، هل نبت لحمي من السحت والعياذ بالله؟ مع العلم أني أعلم أن الكتب التي نبيعها غير أصلية وبسعر الأصلي أيضا ، ولا أستطيع أن أقول للإدارة لأني على علم تام بسوء خلق أصحابها وطمعهم وجشعهم. أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا على ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تقوم به إدارة هذه المكتبة من تزوير ونسخ الكتب بدون إذن أصحابها عمل غير جائز، ولا يجوز لك إعانتهم على ذلك لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
وأما عن عن حكم راتبك فينظر إن كان عملك كله في بيع وتوزيع الكتب المزورة، فالذي يظهر أنه كسب محرم لأنه مقابل منفعة محرمة، ويلزمك أن تتصدق به على الفقراء والمساكين وتصرفه في مصالح المسلمين. إلا إذا كنت فقيرا محتاجا فلا يلزمك أن تتصدق بما عندك منه ما لم يكن زائدا عن حاجتك؛ إذ للفقير أن يأخذ من المال الحرام قدر حاجته، ولا يكون ما أخذه حينئذ حراما عليه بل هو حلال له. قال في المجموع عن الغزالي: وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير، بل يكون حلالا طيبا،.. وقال النووي في المجموع: وله -أي حائز المال الحرام- أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيراً.. وله أن يأخذ قدر حاجته لأنه أيضاً فقير.
فإن كنت غير محتاج إلى ما بقي عندك مما اكتسبته من ذلك العمل المحرم فلا يجوز لك الأخذ منه والانتفاع به على الراجح، وإنما تتخلص منه بصرفه في مصالح المسلمين ودفعه إلى الفقراء والمساكين. وما كنت استعملت منه سابقا فإنما تجب التوبة منه بالندم عليه وإن كنت غنيا تصدقت بمثله. جاء في الاختيار لتعليل المختار: والملك الخبيث سبيله التصدق به ولو صرف في حاجة نفسه جاز، ثم إن كان غنيًا تصدق بمثله، وإن كان فقيرًا لا يتصدق. انتهى.
وأما إن كنت تعمل هذا العمل وغيره في المكتبة المذكورة فيكون الحكم المتقدم في راتبك متعلق بقدر العمل المحرم وتعمل في هذا بغالب ظنك. وانظر الفتاوى: 16295 ،57390، 25616.
وإذا تبت إلى الله عز وجل وصدقت في الإنابة إليه فنرجو ألا تكون ممن يشملهم ذلك الوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت. رواه أحمد وغيره. قال ابن عطية في المحرر الوجيز وهو لفظ يعم كل كسب لا يحل، لكن التوبة تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
والله أعلم.