عنوان الفتوى : الحلف بالصفات الخبرية وسائر الصفات
قرأت فتوى للشيخ العثيمين (رحمه الله) أن الحلف بالصفات الخبرية لا يجوز، والمطلوب من فضيلتكم تحقيق هذه المسألة، وبيان أقوال أهل العلم فيها، وذكر من وافقه أو خالفه من أهل العلم وما احتجوا به؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد أولا من بيان معنى الصفات الخبرية، وهي الصفات الثابتة بالخبر كالوجه واليدين والساق ونحوها، فإن العقل لا سبيل له إلى إثباتها، ومذهب أهل السنة في هذه الصفات وغيرها معروف وهو أنهم يمرونها كما جاءت مع اعتقاد تنزه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين كما أخبر عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11}
وزاد العلامة العثيمين في شرحه على السفارينية معنى الصفات الخبرية إيضاحا فقال رحمه الله: كذلك أيضاً لا ينفك عن الصفات الخبرية التي مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء مثل : اليد فاليد صفة ثبتت بالخبر ،
ولولا الخبر لم يهتد العقل إليها إطلاقاً، بخلاف القدرة، فالقدرة ثبتت بالنص وثبتت أيضاًِ بالعقل، فالعقل يهتدي إلى أن الله لا بد أن يكون قادراً، أما اليد فالله لا بد أن يكون له يد لا ما يثبت ذلك العقل ، إلا بعد ورود الشرع به، فهذه تسمى صفات خبرية يعني أن مدارها على الخبر المحض ، فليس للعقل فيها مجال إطلاقاً ،قلنا : إن مسماها لنا أبعاض وأجزاء ، فاليد بالنسبة لنا جزء وبعض منا ، لكن لا يجوز أن تقول : إنها بالنسبة للخالق بعض وجزء ،لأن البعض أو الجزء : هو ( ما صح انفصاله عن الكل ) ومعلوم أن صفات الله تعالى كاليد والقدم لا يمكن أن نصور فيها أو أن نحكم فيها بجواز الانفصال. انتهى.
وإذا تبين هذا فإن الأصل هو جواز الحلف بكل صفة ثابتة لله تعالى، وذلك لأن صفاته تعالى غير مخلوقة، ونحن إنما نهينا عن الحلف بالمخلوق، ولثبوت الحلف بجنس الصفات عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أكثر يمينه، لا ومقلب القلوب.
وبوب البخاري في صحيحه باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلامه، قال العيني في عمدة القاري: قوله وصفاته قال ابن بطال اختلف العلماء في اليمين بصفات الله تعالى فقال مالك في ( المدونة ) الحلف بجميع صفات الله وأسمائه لازم كقوله والسميع والبصير والعليم والخبير واللطيف أو قال وعزة الله وكبريائه وقدرته وأمانته وحقه فهي أيمان كلها تكفر وذكر ابن المنذر مثله عن الكوفيين. انتهى
وهذا النص عن مالك رحمه الله فيه تجويز الحلف بجميع الصفات دون اختصاص نوع منها بالمنع، وهو دال بعمومه على جواز الحلف بالصفات الخبرية، وإن كان فقهاء المالكية منعوا من الحلف ببعض الصفات وهي الصفات الفعلية، ولكن لاعتبار آخر وهو كونه يؤول إلى الحلف بالمخلوق، قال الخرشي في شرح مختصر خليل: الحلف بصفات الله الفعلية لا يجوز ولا ينعقد بها اليمين كالخلق والرزق والإماتة بتاءين والإحياء والإحسان والعطاء. انتهى
وقد أطلق الحنابلة القول في جواز الحلف بجميع الصفات ولم يفصلوا، بل مثلوا بما يدل على شمول الصفات الخبرية وغيرها، جاء في الروض مع حاشيته لابن قاسم في بيان ما يجوز الحلف به: أو بصفة من صفاته تعالى كوجه الله، وعظمته، وكبريائه، وجلاله وعزته وعلوه، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن اليمين منعقدة بجميع صفات الله تعالى كعزة الله وجلاله، إلا أبا حنيفة استثنى علم الله، فلم يره يمينا. اهـ
وفي الفتح للحافظ ابن حجر: وقال ابن هبيرة في كتاب الإجماع: أجمعوا على أن اليمين منعقدة بالله وبجميع أسمائه الحسنى وبجميع صفات ذاته كعزته وجلاله وعلمه وقوته وقدرته واستثنى أبو حنيفة علم الله فلم يره يمينا وكذا حق الله.. وقال عياض: لا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الحلف بأسماء الله وصفاته لازم إلا ما جاء عن الشافعي من اشتراط نية اليمين في الحلف بالصفات وإلا فلا كفارة وتعقب إطلاقه ذلك عن الشافعي وإنما يحتاج إلى النية عنده ما يصح إطلاقه عليه سبحانه وتعالى وعلى غيره وأما ما لا يطلق في معرض التعظيم شرعا إلا عليه تنعقد اليمين به وتجب الكفارة إذا حنث كمقلب القلوب وخالق الخلق ورازق كل حي... انتهى
وهذا هو ما نص عليه الشيخ العثيمين رحمه الله، في شرحه على زاد المستقنع فقد قال: ما عبارته: "قوله: «أو صفة من صفاته» سواء أكانت هذه الصفة خبرية، أم ذاتيةً معنوية، أم فعلية، مثل أقسم بوجه الله لأفعلن، فيصح؛ لأن الوجه صفة من صفات الله عزّ وجل. ولو قال: أقسم بعظمة الله لأفعلن يصح.
ولو قال: أقسم بمجيء الله للفصل بين عباده لأعدلن في القضاء بينكما، فيصح؛ لأنه قسم بصفة فعلية لله ـ عزّ وجل. انتهى
فهذا التعميم منه والتمثيل بالأقسام بمجيئ الرب تعالى وهو صفة فعلية خبرية، وعدم استثنائه شيئا من الصفات لا يجوز الحلف به يدل على عدم الفرق، وأنه أحد قولي الشيخ رحمه الله.
ونص الشيخ في بعض تعليقاته على عدم جواز الحلف بالصفات الخبرية إلا الوجه فقال رحمه الله: أما الصفات الخبرية المحضة فلا يحلف بها إلا الوجه؛ فلا يحلف بيد الله مثلا ولا بعين الله ، إلا الوجه ، لأن الوجه يطلق على الذات كما في قوله تعالى: { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ، { كل شيء هالك إلا وجه}.انتهى
ولعل مأخذ الشيخ رحمه الله هو أن ذلك لم ينقل عن السلف ولم ترد به الأحاديث، وبالجملة فالقواعد وإطلاقات العلماء تشهد للقول بالجواز، وإنما منع بعضهم من الحلف ببعض الصفات لمعاني أخرى معروفة في مظانها، ولكن لو احتاط المسلم فترك الحلف بها مراعاة للقول الآخر وجريا مع ظاهر المنقول لكان ذلك أحسن وأولى.
والله أعلم.