زكاة الركاز- فريضة معطّلة!!!! - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
معناها.. لغةً وفقهاًالركاز في اللغة هو: كل ما ركزه الله تعالى في الأرض من المعادن في حالتها الطبيعية, وهو أيضاً الكنز أو المال المدفون قبل الإسلام, ويقال: ركز الله المعادن في الأرض أو الجبال, أي أوجدها في باطنها.
أما الركاز لدى جمهور الفقهاء فهو كل ما في باطن الأرض سواء كان (مركوزاً) أي مدفوناً في باطنها كالمناجم والبترول, أم كان (كنوزاً) دفنه القدماء في الأرض, فهو يعم كل ما استخرج من باطن الأرض, سواء من أصل الخلقة أو ما دفن فيها.
عندما بدأ مجمع البحوث الإسلامية في فتح ملف (زكاة الركاز), تملكتني مع البعض دهشة من إثارة (البديهيات), ومناقشة(المسلمات).. فكلنا يعلم أن لفظ زكاة يعني الفرض الإلهي, الذي يغلق باب الإختيار البشري.. فلماذا نقلب في أوراق الفرائض الشرعية الآن؟! ولكن متابعة هذا الملف بدءاً من دراسته دراسة مستفيضة في لجنة البحوث الفقهية, وانتهاء بالقرار الأخير لأعضاء المجمع يؤمهم شيخ الأزهر, كشفت عن أنهم يتحدثون عن(فريضة غائبة), لم تطبقها أي من الدول الإسلامية ولو مرة واحدة!
والآن.. الرأي الشرعي يقول: إن في(الركاز) زكاة واجبة بنسبة20 %, والواقع يقول أن(الركاز) ثروة هائلة: بترول وذهب وفضة.. والاستجابة لأوامر الله, والرحمة بالفقراء والجائعين والعراة. تقول إنهم يجب أن يخرجوا المليارات التي لن تنقص الخزائن, أو تهدر الثروات ولكل الدول الإسلامية نقول.. تذكروا فقراء المسلمين في الانتظار.
مؤيدون.. ومعارضون
دول إسلامية تنتج البترول, وتحوي في باطن أرضها كنوزاً.. ومع ذلك فهي تعطل ركناً أساسياً من أركان الإسلام. هذا التناقض كان أحد دوافع الدكتور محمد شوقي الفنجري, أستاذ الاقتصاد الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية للتقدم بمذكرة للمجمع قبل سبع سنوات لمناقشة موضوع زكاة الركاز, واستصدار رأي شرعي يذكر الدول الإسلامية بهذه الفريضة الغائبة عن التطبيق.
وقال إنه بدأ في طرح هذا الموضوع في المحافل الدولية الإسلامية بدءاً من عام1976, وتحديداً في مناقشات لجنة الزكاة بالمؤتمر العالمي الأول للإقتصاد الإسلامي بمكة المكرمة, والذي أكد فيه ضرورة إلتزام الدول الإسلامية المنتجة للبترول بتخصيص خمس الناتج منه بإسم الزكاة, بحيث يوزع عائده على المحتاجين والمستحقين شرعاً من مواطنيها, وبالنسبة لما يزيد على حاجتهم وهو يقدر بأموال طائلة في دول الخليج الإسلامية فيوزع على المحتاجين والمستحقين شرعاً بسائر دول العالم الإسلامي.
ويضيف د. الفنجري أن عرضه هذا لاقى الكثير من التأييد خاصة من هيئة كبار العلماء في السعودية, كما لاقى معارضة من بعض العلماء, حيث كان للدكتور يوسف القرضاوي رأي مخالف استناداً لكون النفط غير مملوك للأفراد, حتى تجب فيه الزكاة, وإنما هو مملوك للدولة أي للمسلمين جميعاً, والرد على ذلك بأن البترول ليس ملكاً شائعاً لكل المسلمين, وإنما هو مملوك لشخص اعتباري معين, ذي مالية مستقلة, وهو إحدى الدول المنتجة التي يتعين عليها تخصيص نسبة20 % من دخل بترولها بإسم الزكاة, شأنه في ذلك شأن وجوبها بواقع2.5 %, أو 5 % على رءوس أموال أو دخل شركات, ومصانع القطاع العام المملوكة لذات الدولة, أو شركات البترول الأجنبية.
وكانت من حجج د. القرضاوي أيضاً التي أعاد طرحها مؤيداً رأيه السابق أن الدولة هي التي تحصل الزكاة, وهي التي توزعها على مستحقيها, حيث إن كل موارد الدول الإسلامية المنتجة للبترول تصرف في مصلحة مواطنيها, وعليه مادامت هذه الأموال تصرف في مصارفها الشرعية, أي حيث أراد الله لإقامة العدالة الإجتماعية والتكافل, فإنه لا محل للتساؤل أو الشكوي.
وكان الرد عليه أيضاً بأنه على فرض التسليم بأن الدول المنتجة للبترول تصرف كل عائده على مصالحها العاجلة وعلى تنميتها الإقتصادية الملحة, إلا أننا نطالب بإسم الإسلام وإعمالاً لشرعه تعالى, بتخصيص نسبة20 % من دخل البترول وكل ثروات الركاز بإسم الزكاة بحيث يستقل به فقراء هذه الدول, وما يزيد على حاجتهم يصرف لفقراء العالم الإسلامي, وباعتباره (حقهم الشرعي), وليس كرماً أو تفضلاً أو منحة من دولة لأخرى, فهو مال الله حقيقة ومجازاً.. والدول التي أودعها الله هذه الثروات مجرد خلافة أو أمانة مسئولة عنها أمام الله تعالى.
ويختم كلامه بأن الإسلام كما أنه دين لا يرضى أن يشبع مسلم ويجوع جاره وهو يعلم, فإنه لا يرضى كذلك أن تشبع دولة إسلامية, وتجوع جارتها.
الدول الإسلامية تتجاهلها!
الدول الإسلامية لا تخرج زكاة الركاز عن بترولها وذهبها وفضتها.. فهل هذا النوع من الزكوات أمر مستحدث في الفقه الإسلامي؟ سؤال استنكاري وجهناه للدكتور عبدالفتاح الشيخ عضو مجمع البحوث الإسلامية, فكانت إجابته على نفس شاكلة السؤال, قائلاً: ولماذا لم تحرم دول كثيرة شرب الخمر أو ارتكاب الزنا , أو تعاطي الربا ؟!
مضيفاً: للأسف, هناك فرائض كثيرة غابت عن الدول الإسلامية, وهم في الأغلب يفعلون ذلك لتبريرات كثيرة منها بالنسبة لزكاة الركاز أنها لا تجب على الدولة, لأنها بالفعل تنفق الأموال على مصالح الناس, من مساعدة الفقراء, والهيئات الخيرية, وتجهيز الجيوش, وكل ما يحقق مصالح الأمة! في حين أن هناك دولاً تتجاهل هذه الفريضة تماماً, ولا تهتم حتى بإيجاد التبرير لذلك.
وأوضح الشيخ أن (الركاز) حكمه معروف في كتب الفقه منذ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم, وحتى وقتنا الحاضر, وأنه ليس بدعة, أو اكتشافاً حديثاً.
وأشار لوجود حالة من الجهل بفرضية أنواع أخرى من الزكاة مثل الزكاة الواجبة على الغنم والجمال والبقر والجاموس (السائمة) أي التي ترعى في مراعي طبيعية.. فهذا كذلك مما لا يطبقه أحد.
مليارات لإشباع الفقراء
كل ما افترضه الله علينا وراءه هدف عظيم يتحقق من الإلتزام بأداء ما نكلف به, وليس أعظم حقيقة من إشباع الجائعين, وستر العراة, وفك كربات المحتاجين.. وهذا ما تحققه فريضة الزكاة.. فماذا عن زكاة الركاز.؟
الدكتور محيي الدين القرة داغي الأستاذ بكلية الشريعة بقطر وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أجرى دراسة مستفيضة حول تأثير الزكاة عموماً على مشكلة الفقر في العالم الإسلامي, وعرض لدراسته في ندوة أقيمت أخيراً بالقاهرة تحت عنوان (الزكاة المعاصرة) عن أن زكاة دول الخليج الست قد تصل إلى ما يزيد على100 مليار دولار, وتساءل: هل بعد هذا الرقم يمكن أن نجد فقيراً في العالم العربي؟! خاصة إذا أضفنا إليه زكوات باقي الدول العربية؟!
أما زكاة الركاز فقال القرة إنها تعني إخراج زكاة مقدارها الخمس في المعادن والبترول والذهب, أو ما يستخرج من باطن الأرض, وقال: إننا لو أخذنا20 % من بترول العرب يومياً أي بنحو 300 مليون دولار لاستطعنا القضاء على الفقر نهائياً وأوضح أننا بحاجة لتنمية الزكاة في الوطن العربي وإقامة مؤتمر دولي لهذا الشأن.
(الصندوق) هو الحل
كيف تتصرف الحكومات في أموال الزكاة؟ وهل تتولى أجهزتها ووزاراتها مهمة الإنفاق والتوزيع وفقاً للمصارف الشرعية للزكاة؟ هذا السؤال يطرح نفسه بشدة طالما أننا نتحدث عن زكاة (دول) لا (أفراد), ووجدنا الإجابة لدى المفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد عمارة الذي صرح لنا بأن الحل يتمثل في إنشاء ما أسماه بـ(صندوق التنمية) ذلك الصندوق الذي لن يعرف جنسية أو وطن, بل يتخذ من كل دول العالم الإسلامي وطناً له, وتكون مهمة إدارته والإشراف على ما فيه من عوائد لزكاة الركاز لمؤسسة أهلية لا حكومية.. تعهد إليها الدول بالنسبة المخصصة للزكاة, وتترك لها التصرف, مثلما الحال في مصر مع بنك ناصر مثلاً..
ويرى د. عمارة في ذلك الأمل لتخليص العالم الإسلامي من مشكلات الفقر, وفي تحرير رقابه من العبودية للمؤسسات الدولية التي ترهق موارد الأمة وإرادتها وحرية قرارها وكرامتها بالديون الخارجية.
موضحاً أن معظم ثروات الأمة الاسلامية مركوزاً في باطن أرضها, والإسلام يفرض فيما يستخرج من هذا (الركاز) زكاة مقدارها الخمس20 % وتستطيع الأمة إذا امتلكت الإرادة والإدارة- أن ترصد زكاة الركاز أي خمس قيمة المستخرج من البترول والغاز والفوسفات والحديد والفحم والمنجنيز والقصدير والنحاس والرصاص والذهب والفضة واليورانيوم وغيرها في صندوق التنمية الإقتصادية الشاملة السابق ذكره.
وقال إن آلية عمل الصندوق المقترح تستلزم مراعاة أولاً البلد المانح لزكاة الركاز, بحيث لايتم توزيعها على فقراء دول أخرى, إلا بعد إشباع فقراء ومساكين الدولة المنتجة, وهذا مما يتمشى مع مبدأ محلية الزكاة, تأتي بعد ذلك أولوية تالية للأكثر فقراً في دول العالم الإسلامي, كما يجب أن تراعي في بنود الإنفاق الخاصة بمصرف (في سبيل الله) أكثر المجالات المحققة لأهداف النمو والتقدم في الأمة الإسلامية, فإذا كان الجهل هو المشكلة فيجب توجيه الإنفاق إلى مجال التعليم, وإذا كانت البطالة مسيطرة فيكون من المناسب الإهتمام بتوجيه الأموال لإيجاد فرص عمل وهكذا يجب أن تمضي التنمية بعوائد زكاة الركاز, بادئة بتحقيق الكفاية في الضرورات, فالحاجيات, فالتحسينات والكماليات.
وينبه د. عمارة لأهمية إحياء هذه الفريضة الإسلامية (زكاة الركاز), والتي لم تقم أية دولة إسلامية حتى الآن بإخراجها, وإفادة الفقراء والمساكين من عائدها.
إخراجها.. مسئولية الحاكم
إخراج زكاة الركاز.. واجب شرعاً, ولكن من الذي يتعين الوجوب عليه؟ ومن هو المخاطب بهذا التكليف؟
الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية يؤكد أن الواجب في زكاة الركاز ومنها البترول متعيناً شرعاً على الدولة التي أفاء الله عليها به, ويتولى إخراجه نيابة عنها ولي الأمر فيها, حيث يعد ذلك من الواجبات الشرعية عليه بحكم نيابته على الأمة.
وبتوضيح أكثر يقول: إن الخطاب الشرعي من الله كما هو معلوم إما أن يكون موجهاً إلى الفرد, ويخاطبه بما يجب عليه (عيناً), وإما أن يكون موجهاً إلى المجموع, ويسقط في هذه الحالة إذا قام به بعضهم أو أحدهم, وذلك كما في حال فروض (الكفايات), ذلك أن المقصود من الواجب(الكفائي) حصول الفعل نفسه, دون التركيز على الفاعل, فهو يجب على مجموع أهل الدولة وجوب شيوع حتى يقوم به أحدهم, أو من ينوب عنهم في القيام به, وإذا حدث أن فعله فرد سقط الوجوب عن الباقين, أما إذا لم يفعله أحد منهم, فيكون جميعهم آثمين.
وذلك مما يتفق مع مقصد الشارع من الواجب الكفائي الذي يتضمن مصلحة, أما الواجب العيني فمقصده تعبد من يكلف به. ويكمل د. النجار أنه باعتبار أن المخاطب بزكاة الركاز شخصية افتراضية تتكون من مجموع أفراد, وأشياء.. كان من الأفضل ألا نوجه إليها الخطاب كمجموع حتى لاتشيع المسئولية بين جميع الأفراد, ويتقاعسون عنها, فلا تؤدى, ولايتحقق بذلك مقصد الشارع من فرض الكفاية الذي يجب أن يؤدى. ويكون توجيه الخطاب بدلاً من ذلك للشخص الطبيعي الذي يتولى الولاية, لكونه ملتزماً بحكم تلك الولاية أن يؤدي الأعمال المتعلقة بالشخصية الافتراضية بالذمة والأمانة, ومركزه هنا هو مركز النائب عن الجميع في القيام بالأعباء المنوطة بالأمة بمقتضى الواجب الكفائي, الذي يتحول بمجرد وجوبه عليه إلى واجب عيني, والولاية المتعلقة بالأشخاص الإعتبارية تعتبر من قبيل الولايات العامة المتعدية, ذات السلطة النيابية التي يستمدها صاحبها ممن فوضوه, أو نصبوه متولياً لشئونهم, وهي ولاية شرعية معتبرة.
مجمع البحوث الإسلامية طالب بإحيائها
زكاة الركاز.. فريضة إسلامية معطلة!
تحقيق/ علا مصطفى عامر