عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى (..أو تفرضوا لهن فريضة..)
الآية: 236 فى سورة البقرة: أو تفرضوا لهن فريضة. هل معنى ذلك أن التى لها مهر عاجل وآجل ليست لها متعة، لأنه حسب نص الآية لها فريضة؟ وإذا كانت لها متعة فهل الآية منسوخة؟ أى ما حكم المتعة فى ضوء ما لم تفرضوا لهن فريضة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالآية التي أشرت إليها تدل على مشروعية المتعة في حق المطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر، قال الشيخ ابن ناصر السعدي في تفسيره لهذه الآية: أي: ليس عليكم يا معشر الأزواج جناح وإثم، بتطليق النساء قبل المسيس، وفرض المهر، وإن كان في ذلك كسر لها، فإنه ينجبر بالمتعة، فعليكم أن تمتعوهن بأن تعطوهن شيئا من المال، جبرا لخواطرهن.
انتهى.
ويفهم من هذه الآية اختصاص المتعة بالمطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر وأنه لا متعة لمن فرض لها مهر عاجل أو آجل وعليه، ففهمُك هنا صواب، قال ابن كثير في تفسيره للآية الموالية لهذه الآية، وهي قوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
وهذه الآية الكريمة مما يدل على اختصاص المتعة بما دلت عليه الآية الأولى، حيث إنما أوجب في هذه الآية نصف المهر المفروض، وإذا طلق الزوج قبل الدخول، فإنه لو كان ثم واجب آخر من متعة لبينها لا سيما وقد قرنها بما قبلها من اختصاص المتعة بتلك الحالة.
والله أعلم.
انتهى.
لكن بعض أهل العلم قال بمشروعية المتعة للمطلقة قبل الدخول وبعد فرض المهر وأن الآية التي ذكرتها منسوخة بآية الأحزاب، قال ابن كثير ـ أيضا: والقول الثاني: أنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس، وإن كانت مفروضًا لها، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا.
قال شعبة وغيره: عن قتادة: عن سعيد بن المسيب قال: نسخت هذه الآية التي في الأحزاب الآية التي في البقرة.
انتهى.
ومن أهل العلم من قال بمشروعية المتعة لكل مطلقة، بدليل عموم قوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ{ البقرة: 241 }.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية:
وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة ـ سواء كانت مفوضة أو مفروضًا لها أو مطلقًا قبل المسيس أو مدخولا بها ـ وهو قول عن الشافعي ـ رحمه الله ـ وإليه ذهب سعيد بن جبير وغيره من السلف، واختاره ابن جرير.
انتهى.
واختلف أهل العلم في المتعة هل هي واجبة أم مستحبة؟ قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن:
قوله تعالى: ومتعوهن.
معناه: اعطوهن شيئا يكون متاعا لهن.
وحمله ابن عمر وعلي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم على الوجوب.
وحمله أبو عبيد ومالك بن أنس وأصحابه والقاضي شريح وغيرهم على الندب.
تمسك أهل القول الأول بمقتضى الأمر.
وتمسك أهل القول الثاني بقوله تعالى: حقا على المحسنين.
وعلى المتقين.
ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين.
والقول الأول أولى، لأن عمومات الأمر بالإمتاع في قوله: متعوهن ـ وإضافة الإمتاع إليهن بلام التمليك في قوله: وللمطلقات متاع.
أظهر في الوجوب منه في الندب.
انتهى.
وقد أجمع أهل العلم على أن المتعة حق للمطلقة قبل الدخول وقبل فرض المهر، قال القرطبي في تفسيره: وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير المتعة.
انتهى.
والله أعلم.