(1) لافتات - مع الكتاب - عبد الرحمن بن معاضة الشهري
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
سافرتُ إلى اليمن عام 1417هـ مع رُفقةٍ من الأصدقاء الذين يحبون السفر، ولم يكن لهم في الكتب حاجة، فلما وصلنا صنعاء قلتُ لهم: أرغب في زيارة الجامع الكبير وخزانة المخطوطات فيه للحصول على نسخة من مخطوطة أريدها في أصول الفقه ، فلما ذهبنا للجامع وتمكنا من دخول دار المخطوطات بعد عناء واستطعتُ الحصول على المطلوب خرجنا لزيارة مكتبة خالد بن الوليد وبعض المكتبات القريبة من جامعة صنعاء، فاشتريتُ عددًا من الكتب النَّادرة والثمينة، وزرتُ مع الزملاء حينها مدير جامعة صنعاء في مكتبه وكان الدكتور عبد العزيز المقالح، وأهدانا بعض كتبه ودواوينه ولم أكن أعرفه من قبل. وكنَّا قد مررنا قبلها على باب اليمن في صنعاء فابتعنا خناجرًا يَمنيَّةً ثَمينةً وبعض الأزياء اليمنية الجميلة، وارتديناها أثناء تلك الزيارة، فلم يشك الدكتور عبد العزيز المقالح أننا من أهل اليمن، وإنما تساءل هل نحنُ من أهل صعدة أم من الجوف!
ثم ذهبنا بعدها فزرنا الشاعر عبدالله البردوني في منزله، وكانت زيارة أدبية مُمتعةً، وكنتُ قد اشتريتُ ديوانه من قبل أن أزوره مع بعض كتبه النثرية، وعجبتُ حينها من حسن حديثه وسعة اطلاعه.
ثُمَّ خرجنا من عنده للفندق فمررنا على ميدان التحرير في صنعاء، فوجدت به أكشاكًا تبيع الكتب كأكشاك الأزبكية بالقاهرة، فلمحت ديوان (لافتات) لأحمد مطر، فتوقفت عنده وقرأتُ فيه، وكنت أتشوق لاقتنائه مع علمي بخطورة ما يَحتويه، فلما اشتريته قرأته في الفُندق، وقال الزملاء: هذا الديوان خطير فلا تأخذه معك للسعودية فقد يؤدي بك للسجن.
فلمَّا ركبنا في السيارة عائدين للسعودية حرصت على حفظه على أن أتخلى عنه قبل نقطة الحدود، فلما وصلناها ترددتُ في التخلي عنه بعد أن حفظته في الطريق بشكل جيد وراجعته، فلمَّا وصلنا لنقطة التفتيش أخفيته في جيوب معطفٍ كنتُ أرتديه، وكنتُ حينها نَحيفًا جدًا لا يبلغ وزني الستين كيلو، وقلتُ في نفسي: لا أظنهم سيفتشوننا بشكلٍ دقيقٍ.
فترجلنا من السيارة للتفتيش وقلبي يخفق، فأخذوا يفتشون الكتب التي في السيارة فلمْ يجدوا فيها ما يلفت النظر، إلا أنهم استغربوا شرائي نسختين من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد إحداهما المحققة التي حققها أبو الفضل إبراهيم في عشرة مجلدات، والأخرى غير المحققة في أربعة مجلدات.
فأذنوا بدخول المحققة ومنعوا غير المحققة بحجة أن غير المُحقَّقة مَمنوعة، فلما أردتُ مجادلتَهم تذكرتُ ما في معطفي، فسكتُّ، ومشت الأمور على ما يرام، وبدأوا يعيدون الكتب للسيارة تمهيدًا للإذن لنا بالدخول، وبينما أنا أنظر حولي ومعي الزملاء وقوف وبعضهم في السيارة فإذا بكلبٍ ضخمٍ من الكلابِ التي يتخذونَها للتفتيشِ قد أقبلَ نَحوي مسرعًا وهو ينبح، وقد انفلت من رباطه، فكاد قلبي يطير من الخوف وتيقنت بأنَّ الكلب قد اكتشف ديوان أحمد مطر وأنَّ أمري قد كُشِف، فلم أجد أمامي إلا سيارة محملة بالقهوة وأصحابها ينتظرون التفتيش بعدنا فتسلقتها وصعدتُ فوق أكياس القهوة والزملاء حولي يضحكون وموظفو الجمارك يضحكون، وإذا بهذا الكلب قد رجع أدراجه ولم يتبعني أكثر من ذلك!
فنزلتُ وأنا أضحك ضحك الخائف، وتصنعتُ الانبساط من هذا الموقف وأنا في موقف لا أحسد عليه، وركبنا السيارة ونحن نضحك من هذا الموقف وسط تعليقات الزملاء وسخريتهم.
ولذلك كلما رأيتُ ديوان (لافتات) تذكرتُ ذلك الكلبَ وتلك الحادثة فأضحكُ وأنا وحدي، وهذه المرة الأولى التي أروي فيها هذه القصة الطريفة التي مضى عليها عدة سنوات وكدتُ أنساها، وقد أصبح ديوان لافتات يُباعُ الآنَ في معارض الكتابِ عندنا، وانتشر على الانترنت، وما يومُ حليمةَ بسرّ.