عنوان الفتوى : مسائل في طهر المرأة من حيضها
أرغب ب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وقع في سؤالك شيء من الخلط، ونحن نحاول أن نبين لك ما نراه راجحا فيما سألت عنه ليزول عنك ما تجدينه من الإشكالات بإذن الله، ويتلخص جواب سؤالك فيما يلي من النقاط:
أولا: المرأة تعرف الطهر من الحيض بإحدى علامتين، الجفوف أو القصة البيضاء، والجفوف هو أن تحتشي بالقطنة فتخرج نقية، والقصة البيضاء ماء رقيق أبيض يخرج عقب الحيض يعرف به انقطاعه، وليس كل النساء ترى القصة.
قال الزرقاني في شرح الموطأ في معنى القصة البيضاء: ( القصة البيضاء ) بفتح القاف وشد الصاد المهملة ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، قال مالك: سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يرينه عند الطهر ( تريد بذلك الطهر من الحيضة ) شبهت القصة لبياضها بالقص وهو الجص ومنه قصص داره أي جصصها بالجير قال الهروي وتبعه في النهاية هي أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها الحائض كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة، قال عياض كأنه ذهب بها إلى معنى الجفوف وبينهما عند النساء وأهل المعرفة فرق بين. انتهى.
فإذا رأت المرأة إحدى هاتين العلامتين فقد طهرت من حيضها ولزمها أن تغتسل وتصلي، وأي العلامتين رأت أولا فقد حصل الطهر، وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 118817.
ثانيا: ما تراه المرأة بعد رؤية الطهر من الإفرازات الصفراء والبنية لا يعد حيضا إلا إذا كان في مدة العادة وقد أوضحنا هذه المسألة في الفتوى رقم: 117502.
ثالثا: إذا رأت المرأة الدم بعد انقطاع حيضها في زمن يصلح أن يكون فيه حيضا فهو حيض كما هو الراجح عندنا، وراجعي الفتوى رقم: 118286.
وبما مر تعلمين أن الواجب عليك إذا رأيت الطهر بإحدى العلامتين المذكورتين أن تبادري بالاغتسال وتصلي، فإذا رأيت صفرة أو كدرة بعد ذلك فإن كان ذلك في زمن العادة فهو حيض وإلا فليس بحيض، وإذا عاودك الدم في زمن يصلح أن يكون فيه حيضا فهو حيض يلزمك الاغتسال بعد انقطاعه، ولمعرفة متى يكون الدم العائد حيضا راجعي الفتوى رقم: 100680.
والطهر بين الدمين طهر صحيح على الراجح، وإذا رأيت الطهر ظهرا وجب عليك الاغتسال والمبادرة بفعل الصلاة قبل خروج وقتها، وإلا كنت متعمدة لإخراج الصلاة عن وقتها وهذا من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وقولك إنه لا ينفع قضاءها في هذه الحال هو أحد القولين في المسألة وهو قول من لا يرى مشروعية قضاء الصلوات المتروكة عمدا، والقول الثاني وهو مذهب الجمهور وهو أحوط أن قضاء هذه الصلوات واجب وراجعي لتفصيل القول في حكم هذه المسألة الفتوى رقم: 128781.
رابعا: الإفرازات التي تخرج من فرج المرأة والمعروفة عند العلماء برطوبات الفرج، طاهرة على الراجح عندنا، ولكنها ناقضة للوضوء، والقول بأنها من نواقض الوضوء هو قول الأئمة الأربعة وجماهير العلماء خلافا لابن حزم رحمه الله ومن وافقه، وراجعي الفتوى رقم: 110928، ومن كانت مبتلاة بسلس هذه الرطوبات فإن عليها لزاما أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وليس في ذلك شيء من المشقة بحمد الله بل هذا من تخفيف الله على عباده وتيسيره لهم.
قال العلامة العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع بعد ما دلل على طهارة رطوبات الفرج: وهل تنقض هذه الرطوبة الوضوء؟ أما ما خرج من مسلك البول، فهو ينقضُ الوُضُوء، لأنَّ الظَّاهر أنَّه من المثانة. وأما ما خرج من مسلك الذَّكر: فالجمهور: أنه ينقض الوُضُوء. وقال ابن حزم: لا ينقض الوُضُوء ، وقال: بأنه ليس بولاً ولا مذياً، ومن قال بالنَّقض فعليه الدَّليل، بل هو كالخارج من بقية البدن من الفضلات الأخرى. ولم يذكر بذلك قائلاً ممن سبقه. والقول بنقض الوُضُوء بها أحوط. فيُقال: إِن كانت مستمرَّة، فحكمها حكم سلس البول، أي: أن المرأة تتطهَّر للصلاة المفروضة بعد دخول وقتها، وتتحفَّظُ ما استطاعت، وتُصلِّي ولا يضرُّها ما خرج. وإِن كانت تنقطع في وقت معيَّن قبل خروج الصَّلاة فيجب عليها أن تنتظرَ حتى يأتيَ الوقتُ الذي تنقطع فيه؛ لأنَّ هذا حكم سلس البول. فإن قال قائل: كيف تنقض الوُضُوء وهي طاهرة فالجواب: أن لذلك نظيراً، وهو الرِّيح التي تخرج من الدُّبُر، تنقض الوُضُوء مع كونها طاهرة. انتهى.
وفيه من البيان الواضح لهذه المسألة ما يكفي بإذن الله.
وما ذكرته في السؤال عن الشيخ ابن عثيمين فنحن لم نقف على نص صريح له يرجح فيه القول بعدم النقض ، ولو فرضنا أن له قولا بهذا فنحن نرجح قول الجمهور ونختار من قوليه القول الموافق لذلك.
والله أعلم.