عنوان الفتوى : مواضع رفع اليدين وحكم رفعهما عند السجود والرفع منه
هل يجوز لي أن أرفع اليدين عند قول الله أكبر قبل السجود وعند الرفع منه؟ فقد نبهتني إحدى زميلاتي أن صلاتي هكذا خاطئة، وأنا منذ كان عمري 9 سنين وأنا أصليها هكذا. فأرشدوني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصلاة من رفع يديه عند السجود أو الرفع منه صحيحة على كل حال، وإنما اختلف العلماء هل يسن ذلك أو لا يسن؟ ونحن نبين هذه المسألة بشيء من البسط لعموم الحاجة إليها، فرفع اليدين في الصلاة ثابت في أربعة مواطن، عند تكبيرة الإحرام اتفاقا، وعند الركوع وعند الرفع منه خلافا للحنفية، وعند القيام إلى الثالثة عند كثير من العلماء ودلت عليه أحاديث صحيحة، ففي الصحيحين من حديث ابْن عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَعَلَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ.
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أنه كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِن الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذه المواطن الأربعة ثبت فيها رفع اليدين في الصلاة، وقوله في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما: وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ.
وأما رفع اليدين عند السجود والرفع منه، فقد نفاه عبد الله ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كما مر في الحديث.
وروى النسائي عن مالك ابن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا.
وصحح الحديث بعض أهل العلم كالألباني ـ رحمه الله.
وقال بشذوذه كثير من أهل العلم لمخالفة حديث ابن عمر المتفق عليه. وممن جزم بشذوذ هذه الزيادة العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ قال في زاد المعاد: ثم كان صلى الله عليه وسلم يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وقد روي عنه أنه كان يرفعهما أيضاً، وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ وهو وهم، فلا يصح ذلك عنه البتة، والذي غره أن الراوي غلط من قوله: كان يُكبر في كل خفض ورفع ـ إلى قوله: كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع. انتهى.
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله: على تقدير أن يكون ذكر الرفع محفوظا، ولم يكن قد اشتبه بذكر التكبير بالرفع - بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين، فلعلهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذَلِكَ مرة، وقد عارض ذَلِكَ نفيُ ابن عمر، مع شدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين.
وقد روي في الرفع عند السجود وغيره أحاديثُ معلولة. انتهى من فتح الباري لابن رجب.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: سلك بعض العلماء مسلك الترجيح في ذلك فرجحوا ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ من عدم رفع اليدين عند السجود والرفع منه، واعتبروا رواية الرفع فيهما شاذة لمخالفتها لرواية الأوثق.
وسلك آخرون مسلك الجمع بين الروايات، لكونه ممكنا فلا يعدل عنه إلى الترجيح، لاقتضاء الجمع العمل بكل ما ثبت، واقتضاء الترجيح رد بعض ما ثبت وهو خلاف الأصل.
وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في السجود والرفع منه أحياناً، وتركه أحياناً، فروى كل ما شاهد، والعمل بالأول أولى للقاعدة التي ذكرت معه. انتهى.
والخلاصة أن رفع اليدين عند السجود وعند الرفع منه قد وردت فيه أحاديث ضعفها كثير من أهل العلم، ومن ثم فلا يكون الرفع مشروعا في هذه المواطن، وصححها بعضهم، فيجمع بينها وبين ما ثبت عن ابن عمر من نفي الرفع بأن الرفع يكون أحيانا والترك يكون غالبا، وقد ملنا إلى ترجيح القول بمشروعية الرفع أحيانا في الفتوى رقم: 27316.
والله أعلم.