أرشيف المقالات

بكاء السلف رحمهم الله

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
بكاء السلف رحمهم الله
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فنعم الله علينا تترًا، وكثير منَّا عنها غفلًا، وإن من النعم التي لا يستشعر الكثيرون منَّا، إنها نعمة: نعمة البكاء؛ قال عز وجل: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 42، 43]، فالبكاء نعمة جليلة، يقول فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم إما وخطيب المسجد الجرام: "أيها المسلم، أيتها المسلمة، إن الله عز وجل أنعم عليكم بنعمة البكاء لتشكروه عليها، إذ كيف يعيش من لا يبكي، كيف تتفاعل نفسه مع الأحداث والمواقف، بماذا يترجم عن الحزن والأسى، بماذا يعبر عن الخشية والخوف من الله جل وعلا".
 
فالبكاء نعمة، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من عين لا تدمع، فمن دمعت عيناه، دلَّ ذلك على رقة القلب ولينه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: متى أقحطت العينُ من البكاء من خشية الله، فاعلَم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعدُ القلوب من القلب القاسي.
 
إن من الزهادة الخاسرة أن البعض زهِدوا في البكاء من خشية الله، فآيات تتلى، وأحاديث تُروى، ومواعظ تلقى، لا يلين لها قلب، ولا تدمع لها عين، وسلف هذه الأمة رحمهم الله كان بعضهم يعرف بكثرة البكاء، وأنه من البكائيين، وقد جمعتُ ما يسَّر الله الكريم لي من مواقف بكي فيها السلف، أسأل الله أن ينفعني وإخواني المسلمين بما جمعت.
 
البكاء عند قراءة القرآن:
• عن يحيى بن الفضل الأنيسي قال: سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي، إذ بكى فكثر بكاؤه، حتى فزع له أهله وسألوه، فاستعجم عليهم، وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى ابن حازم فجاء إليه، فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، وقال: وما هي؟ قال: قوله تعالى ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47]، فبكى أبو حازم معه حتى اشتد بكاؤهما.
 
• قام عمرو بن عتبة يصلي، فقرأ حتى بلغ: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ﴾ [غافر: 18]، فبكى حتى انقطع، ثم قعد.
 
• عن القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى: ﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 46]، ويبكى ويتضرع إلى الفجر.
 
• هناد بن السري قام يصلي ويرفع صوته بالقرآن، ويبكي كثيرًا.
 
• قال أحمد بن سهل الهروي: كنت ساكنًا في جوار بكار بن قتيبة بن عبيدالله، فانصرفت بعد العشاء، فإذا هو يقرأ: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ [ص: 26]، يقرأها وهو يبكي.
 
البكاء عند التحديث:
• الحافظ أبو البركات الأنماطي قال ابن الجوزي: كنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته.
 
• عبدالله بن سعيد بن أبي عون الرياحي، كان صالحًا ورعًا، أول من يدخل المسجد وآخر من يخرج منه، وكان بكاء عند قراءة الحديث.
 
• إسماعيل بن قتيبة بن عبدالرحمن السلمي، قال الضبعي: كان الإنسان إذا رأه يذكر السلف لسمته وزهده وورعه، كنا نختلف إليه، فيخرج إلينا والكتاب بيده، فيحدثنا وهو يبكي.
 
• ابن الغريق قال أبو يعقوب بن يوسف الهمذاني: كان به طرش، فكان يقرأ علينا بنفسه، قرأ علينا حديث الملكين، فبكى بكاءً عظيمًا، وأبكى الحاضرين.
 
• عيسى بن محمد بن عبدالله بن مؤمل الشنتريني، ذُكِر عنه أنه كان إذا قُرئ عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي بكاءً كثيرًا.
 
البكاء من خشية الله:
• قال خالد بن معدان: قال كعب الأخبار: لأن أبكى من خشية الله أحب إليَّ من أتصدق بوزني ذهبًا.
 
• عن عبدالله بن دينار، قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرَّسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراعٍ أنت؟ قال: نعم، قال: بعني شاة من الغنم، قال: إني مملوك، قال: قل لسيدك: أكَلها الذئب، قال: فأين الله عز وجل؟ قال ابن عمر: فأين الله؟ ثم بكى، واشتراه بعد فأعتَقه.
 
• قال أبو عاصم: رأيت هشام بن حسان، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، والجنة والنار، فبكى حتى سالت دموعه.
 
• يونس بن عبدالله بن محمد بن مغيث، قال صاحبه أبو عمر بن مهدي: كنت إذا ذاكرته شيئًا من أمر الآخرة يصفرُّ وجهه، ويدافع البكاء، وربما غلَبه.
 
• فتح الموصلي كان كثير البكاء من خشية الله، سابق الموصلي، أحد البكائيين من خشية الله،
 
• عبدالخالق عبدالسلام بن علوان كان صاحب بكاء من خشية الله.
 
البكاء عند ذكر الصحابة رضي الله عنهم:
الحسن بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال الحاكم: صحبته برهة من الدهر فما سمعته ذكر عثمان إلا قال: الشهيد، وبكى، وما سمعته ذكر عائشة إلا قال: الصِّديقة بنت الصِّديق، حبيبة حبيب رسول الله، وبكى.
 
البكاء على من يتجرأ على معصية الله:
صالح محمد الترمذي، كان جهميًّا داعية، يبيع الخمر، ويبيح شربه، وكان إسحاق بن راهويه إذا ذكره بكى من تجرُّئه على الله.
 
البكاء على فراق صيام النهار وقيام الليل:
لما احتُضر عامر بن قيس جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكى جزعًا من الموت، ولا حرصًا على الحياة، ولكن أبكى على ظمأ الهواجر، وقيام الليل.
 
البكاء في الخطبة:
• عبدالرحمن بن علي بن محمد التجبيبي، كان إذا خطب بكى، وأبكى.
 
• يحيى بن عيسى بن حسين بن إدريس، أبو البركات الأنباري، الواعظ الزاهد، كان يبكي على المنبر.
 
البكاء لأنه ألزم بالقضاء:
عبدالله بن فروخ، كان صالحًا ورعًا قوالًا بالحق، ألزمه روح بن حاتم المهلبي بالقضاء، فجعل يبكى، ويقول: ارحموني رحمكم الله، ثم أعفاه بعدُ.
 
البكاء عند ذكر الرجل الصالح:
كان هنَّاد السري إذا ذكر قبيصة بن عقبة قال: الرجل الصالح، وتدمع عيناه.
 
البكاء خوفًا من عدم الاجتماع في القيامة:
قال الفضيل بن عياض: بكى ابني علي، فقلت: مالك يا بني؟ قال: أخاف ألا تجمعنا القيامة.
 
البكاء فرحًا بموت الظلمة:
قال حماد بن أبي سليمان: قلت لإبراهيم النخعي: مات الحجاج، فبكى من الفرح.
 
البكاء لأنه سئل عما كان بين الصحابة:
عن يحيى بن آدم قال: سمعت شريكًا يقول: سألت إبراهيم بن أدهم عما كان بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فبكى، فندمت على سؤالي إياه، فرفع رأسه، وقال: من عرف نفسه اشتعل بنفسه عن غيره.
 
البكاء خوفًا أن يكون من الأشقياء:
قال عطاء الخفاف: ما لقيت سفيان الثوري إلا باكيًا، فقلت: ما شأنك؟ فقال: أخاف أن أكون في الكتاب شقيًّا.
 
البكاء لأن باب إلى الجنة أغلق:
لما ماتت أم إياس بن معاوية بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان من الجنة فأغلق أحدهما.
 
البكاء خوفًا من سلب التوحيد:
قال أحمد بن عاصم: سمعت مجيب بن موسى الأصبهاني صاحب الثوري وخادمه، يقول: كنت عديل سفيان الثوري إلى مكة، فكان يكثر البكاء، فقلت له: بكاؤك هذا خوفًا من الذنوب؟ فأخذ عودًا من المحمل فرمى به، وقال: لذنوبي أهون عليَّ من هذا، ولكني أخاف أن أُسلب التوحيد.
 
البكاء لتذكر ضغطة القبر:
احتضر نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما فبكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ذكرت سعد بن معاذ وضغطة القبر.
 
البكاء لتهاون الناس بأمر الله:
قال جعفر بن سلمان: دخلنا على أبي التياح نعوده، فقال: ينبغي للمسلم اليوم لما يرى من التهاون في الناس بأمر الله أن يزيده ذاك جدًّا، ثم بكى.
 
البكاء فرحًا بانتصار المسلمين على الكفار:
لما جاء البشير إلى الوليد بن عبدالملك بفتح الأندلس، وجاء أيضًا بشير بفتح مدينة من خراسان، قال الخادم: فأعلمته وهو يتوضَّأ، فدخل المسجد وسجد لله طويلًا، وحمده، وبكى.
 
البكاء لفوات صلاة الجماعة:
قال محمد بن المبارك الصوري: رأيت سعيد بن عبدالعزيز إذا فاتته صلاة في جماعة بكى.
 
البكاء من الرؤيا الحسنة له:
وهيب بن الورد، كانوا يرون له الرؤيا أنه من أهل الجنة، فإذا أخبر بها اشتد بكاؤه، وقال: قد خشيت أن يكون هذا الشيطان.
 
يبكى على تقصيره:
عتبة الغلام كان خاشعًا قانتًا لله حنيفًا، قيل: إنه لا يكاد ينقطع بكاؤه، قال عبدالواحد بن زيد: كلمت عتبة الغلام ليرفق بنفسه، فبكى، وقال: إنما أبكى على تقصيري.
 
البكاء لأنه عوتب في البكاء:
سعيد بن السائب بن يسار أحد العباد البكائيين، عاتبه رجل في البكاء، فبكى، وقال: كان ينبغي أن يعذلني على التقصير والتفريط، فإنهما قد استوليا عليَّ.
 
البكاء عند الخروج مع الجنائز:
قال إبراهيم بن الأشعث: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة، لا يزال يعظُ، ويُذكرُ، ويبكى، لكأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر.
 
البكاء لأن جاره شتمه:
يحيى بن سعيد القطان، قال ابن معين: جعل جار له يشتمه ويقع فيه، ويقول: هذا الخوزي، ونحن في المسجد، فجعل يحيى يبكي، ويقول: صدق، ومن أنا، وما أنا.
 
البكاء في قيام الليل:
قال الحسن بن أحمد المزكي: كان أبو عمران الجويني نازل في دارنا، وكان يقوم الليل، ويصلي، ويبكي طويلًا.
 
البكاء عند الموت:
قال المزني: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت؟ فرفع رأسه وقال: أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنئها، أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى.
 
وبكى عبدالرحمن بن الأسود عند موته وقال: وأسفاه على الصوم والصلاة، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.
وبكى يزيد الرقاشي عند موته وقال: أبكي على ما يفتوني من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: إذا كان المحسن يندم على ترك الزيادة، فكيف يكون حال المسيء؟
 
البكاء لقلة الزاد وبعد السفر:
مرض عامر بن قيس فبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ما لي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني، والله ما أبكي حرصًا على الدنيا، ولا جزعًا من الموت، ولكن لبُعد سفري، وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود وهبوط جنة أو نار، فلا أدري إلى أيهما أصير.
 
البكاء عند الأذان:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: البكَّاء؛ أي كثير البكاء والناس في هذا الوصف يختلفون، فمنهم من يكون كثير البكاء بحيث لو ذكر عنده أدنى شيء بكى، وأنا أذكر مؤذنًا رحمه الله عندنا إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله بكى، ولا استطاع أن يكمل الأذان، وبعض الناس يكون عكس ذلك، فيكون قليل البكاء حتى لو وجدت المواعظ لا يبكي، ولا شك أن البُكاء دليل على لين القلب في الغالب.
 
البكاء عند قراءة سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال الأستاذ: عبدالله بن عبدالعزيز الهدلق في كتابه: ميراث الصمت والملكوت، في مقال له بعنوان: "فوائد من مجالس شيخنا بكر بن عبدالله أبو زيد": قال لي الشيخ في ليلة من الليالي: لو رأيتني البارحة وأنا أقرأ سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد غلبني البكاء لشدة ما أثرت فيَّ حياة الشيخ، هذه هي الحياة، أين نحن منهم.
 
متفرقات:
♦ حُرِمَ البكاء لأنه اتهم غيره من غير بينة:
قال مكحول الشامي: رأيت رجلًا يصلي، وكلما ركع وسجد بكى، فاتهمته أنه يُرائي ببكائه، فحرمت البكاء سنة.
 
♦ بكاء الناس عند اتباع الجنازة:
قال ثابت البناني: كنا نتبع الجنازة، فما نرى إلا متقنعًا باكيًا، أو مقنعًا متفكرًا.
 
♦ لا خير في عين لا تبكي:
اشتكى ثابت البناني عينيه، فقال له الطبيب: اضمن له خصلة تبرأ عيناك، فقال: وما هي؟ قال: لا تبك، قال: وما خير في عين لا تبكي.
 
♦ الاعتذار عن البكاء:
عبدالوهاب بن الأمين، المعروف بابن سكينة، كان ظاهر الخشوع، غزير الدمعة، وكان يعتذر من البكاء، ويقول: قد كبرت سني، ورق عظمي، فلا أملك عبرتي، يقول ذلك خوفًا من الرياء.
 
♦ تأثر من بكاء والدته:
يقول الدكتور طارق بن محمد الخويطر، عن الشيخ صالح الغصون رحمه الله: بعد وفاة والده نشأ رحمه الله يتيمًا فقيرًا، وقد عاش رحمه الله في كنف والدته، وهي امرأة صالحة أحسنت تربيته، حدثني عنها الشيخ مرارًا بأنها صاحبة دين، وأنها تصلي كثيرًا، وإذا أرخى الليل رواقه، وأسبل سترَه، سمِع بكاءها وهي تصلي، فتأثر الشيخ بصلاح أمِّه ودعائها.
 
♦ بكاء الناس حين تضرُّعهم إلى الله بطلب الغيث والسقيا:
لما دخل موسى بن نصير إفريقية، وجد أكثر مدنها خالية، وكانت البلاد في قحط، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والضجيج، وأقام على ذلك إلى نصف النهار، ثم صلى وخطب، فسقوا حتى رووا وأغيثوا.
 
♦ بكاء حاشية الوزير لإقراره بالخطأ والرجوع عنه:
الوزير ابن هبيرة كان يقرأ عند الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي، فذكرت مسألة، فخالف فيها الجميع وأصرَّ، فقال الوزير: أ حمار أنت! أما ترى الكل يخالفونك؟ فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة: إنه جرى مني بالأمس على هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه، وقال: أنا أولى بالاعتذار.
 
♦ بكاء الناس عند كسوف القمر:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: كان الناس في الماضي إذا كسف القمر تحصل منهم رهبة عظيمة، ويحصل منهم خوف، ويحضُرون بأعدادٍ كبيرة إلى المساجد، وتحصل صلاة وبكاء وخوف، وقد رأيت هذا أما الآن فلا ترى شيئًا من هذا.
 
 
♦ البكاء على الذنوب:
قال الفضيل بن عياض: رحم الله امرأً أخطأ، وبكى على خطيئته.
 
وصايا:
♦ قلة الضحك وكثرة البكاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتُم كثيرًا)؛ [أخرجه البخاري]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والمراد بالعلم هنا: ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه، والأهوال التي تقع عند النزع والموت والقبر ويوم القيامة، ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة، والمراد به التخويف.
 
♦ مجاهدة النفس على البكاء من خشية الله:
قال الشيخ بدر بن ناصر البدر: إن أهم ما يُوصى به الراجي بركةَ القرآن ونفعَه: الإخلاص، وإخفاء العمل، والتأثر به، وبخاصة البكاء عند تلاوته وسماعه.
 
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قرأ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه سورةَ مريم فسجد، وقال هذا السجود، فأين البُكيُّ؛ يريد: البكاء.
 
يقول القحطاني رحمه الله في نونيته:
يا حبذا عينان في غسق الدجي = من خشية الرحمن باكيتان
 
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: نعم، هاتان العينان محل الثناء؛ لأن (حبذا) يعني: الثناء عليهما، فأين منا من يتصف بهذا؟! بل أكثر الناس ينامون إلى الصباح، وإذا قاموا في غسق الليل، فالبكاء قليل، لكن عينان في غسق الدُّجي من خشية الله سبحانه وتعالى تبكيان هذا في زمننا قليل، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء القليل، فالإنسان ينبغي له أن يكون له مع الله تعالى صلة، فيبكي من خشية الله سبحانه وتعالى في سجوده في قيامه كلما تذكر آيات الله سبحانه وتعالى.
 
♦ البكاء الآن قبل بكاء الحسرة والندامة:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ابن آدم، كأنك بالموت قد حلَّ بساحتك، وحال بينك وبين ما تريد، وأنت في النزع والكرب شديد، لا والد يدفع عنك ولا وليد، ولا عدة تنجيك ولا عديد، ولا عشيرة تحميك ولا قصر مشيد، أليس ذلك نازلًا بك على كل حال؟ إي وعزة الكبير المتعال، فإنك الآن ينفعك البكاء والاستكانة قبل حلول الحسرة والندامة.
 
♦ الحذر أن يتلاعب الشيطان بالمسلم فيكون بكاؤه بكاءَ رياء وسمعة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لم يكن بكاؤه صلى الله عليه وسلم بشهيق ورفع صوت، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويُسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه بكاءَ اشتياق ومحبة مصاحبًا للخوف والخشية.
 
وختامًا، فيقول العلامة ابن القيم رحمه الله: من لم يلِن لله في هذه الدنيا قلبه، ولم ينب إليه، ولم يُذبه بحبه والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلًا فإن أمامه المُلين الأعظم، وسيُرَدُّ إلى عالم الغيب والشهادة، فيرى ويعلم.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢