عنوان الفتوى : من أبيح له الفطر أول النهار فجامع امرأته التي أفطرت لعذر شرعي
أفيدوني جزاكم الله خيرا: فقد أفطرت في شهر رمضان لسببين: الأول: عدم تناول علاجي لتخثر الدم لمدة 3 أيام وسببه النسيان وتذكرته في الصباح، وبعد تناول دوائي جامعت زوجتي وهي أيضاًَ مفطرة بسبب عذر شرعي، فهل تجب علي الكفارة وقضاء اليوم الذي أفطرت فيه؟ أم قضاء اليوم فقط؟ أفيدوني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت قد أفطرت لعذر يبيح الفطر وهو خشيتك الضرر إذا تركت تعاطي الدواء الذي نسيته، فقد اختلف أهل العلم، هل يجوز لك أن تستديم الفطر إذا زال عذرك أو لا؟ وبناء على هذا الخلاف يكون حكم جماعك في نهار رمضان، فمن قال بأنه يلزمك الإمساك لزوال العذر المبيح للفطر، قال بوجوب الكفارة عليك، ومن قال بعدم لزوم الإمساك لأنك استبحت الفطر بإذن الشارع قال بأنه لا يلزمك غير القضاء، وقد بين ابن قدامة خلاف العلماء في هذه المسألة فقال: فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرا وباطنا كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، فطهرت الحائض والنفساء وأقام المسافر وبلغ الصبي وأفاق المجنون وأسلم الكافر وصح المريض المفطر ففيهم روايتان، إحداهما : يلزمهم الإمساك في بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والعنبري، لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك كقيام البينة بالرؤية.
والثانية: لا يلزمهم الإمساك وهو قول مالك والشافعي وروي ذلك عن جابر بن زيد وروي عن ابن مسعود أنه قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره، ولأنه أبيح له في أول النهار ظاهرا وباطنا فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر، فإذا جامع أحد هؤلاء بعد زوال عذره انبني على الروايتين في وجوب الإمساك فإن قلنا يلزمه الإمساك فحكمه حكم من قامت البينة بالرؤية في حقه إذا جامع، وإن قلنا لا يلزمه الإمساك فلا شيء عليه.
والراجح ـ إن شاء الله ـ هو قول الجمهور وهو أن الإمساك لا يلزم في هذه الحال وهو ما رجحه العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ قال ـ رحمه الله ـ في جواب سؤال: نعم، ما سمعته من أنني ذكرت أن الحائض إذا طهرت في أثناء اليوم لا يجب عليها الإمساك، وكذلك المسافر إذا قدم، فهذا صحيح عني، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وهو مذهب مالك والشافعي ـ رحمهما الله ـ وروي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره، وروي عن جابر بن يزيد وهو أبو الشعثاء أحد أئمة التابعين الفقيه أنه قدم من سفر فوجد امرأته طاهراً من الحيض في ذلك اليوم فجامعها، ذكر هذين الأثرين في المغني ولم يتعقبهما، ولأنه لا فائدة من الإمساك، لأنه لا يصح صيام ذلك اليوم إلا من الفجر، ولأن هؤلاء يباح لهم الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً مع علمهم بأنه رمضان، والله إنما أوجب الإمساك من أول النهار من الفجر وهؤلاء في ذلك الوقت ليسوا من أهل الوجوب، فلم يكونوا مطالبين بالإمساك المأمور به، ولأن الله إنما أوجب على المسافر وكذلك الحائض عدةً من أيام أخر، بدلاً عن التي أفطرها، ولو أوجبنا عليه الإمساك لأوجبنا عليه أكثر مما أوجبه الله، لأننا حينئذ أوجبنا إمساك هذا اليوم مع وجوب قضائه، فأوجبنا عليه أمرين مع أن الواجب أحدهما، وهو القضاء عدة من أيام أخر، وهذا من أظهر الأدلة على عدم الوجوب. انتهى.
وبهذا تعلم أنه لا كفارة عليك لأن الإمساك لم يكن يلزمك على الراجح.
والله أعلم.