عنوان الفتوى : هل يبني على غلبة الظن من شك هل سبح في السجود أم لا؟
شككت مرة وأنا ساجدة بأنني لم أقل ـ سبحان ربي الأعلى ـ وعندما راودني الشك كنت قد شرعت في الدعاء وتأهبت للرفع من السجود، ومن ثم غلب على ظني أنني قلتها تلقائيا، خاصة وأنني كنت أفكر في أمر ما قبل أن أسجد ـ سهوت ـ فأخذت بغلبة الظن ورفعت من سجودي، فهل ما فعلته من الأخذ بالظن الغالب صحيح؟ وإذا كنت أحطأت فيما فعلت، فهل يجب علي القضاء أم لا؟ خاصة وأنني منذ بدأت الاهتمام بالفقه و
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أولا أن العلماء اختلفوا في حكم تسبيحات الركوع والسجود، ومذهب الجمهور أنها سنة لا واجبة، فمن تعمد تركها فصلاته صحيحة، وذهب الحنابلة إلى وجوب التسبيح في الركوع والسجود فمن تعمد تركه بطلت صلاته، ومن تركه نسيانا أو جهلا فلا تبطل صلاته ويلزمه سجود السهو، قال النووي ـ رحمه الله ـ مبينا خلاف العلماء في المسألة: التسبيح وسائر الأذكار في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد والتكبيرات غير تكبيرة الإحرام كل ذلك سنة ليس بواجب فلو تركه لم يأثم وصلاته صحيحة سواء تركه عمدا أو سهوا لكن يكره تركه عمدا، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وجمهورالعلماء، قال الشيخ أبو حامد وهو قول عامة الفقهاء، قال صاحب الحاوي وهو مذهب الفقهاء كافة، وقال إسحاق بن راهويه التسبيح واجب إن تركه عمدا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل، وقال داود واجب مطلقا وأشار الخطابي في معالم السنن إلى اختياره، وقال أحمد التسبيح في الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد والذكر بين السجدتين وجميع التكبيرات واجبة فإن ترك شيئا منه عمدا بطلت صلاته، وإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو عنه وعنه رواية أنه سنة كقول الجمهور.انتهى.
وقول الجمهور هو الراجح المفتى به عندنا، كما بيناه في الفتوى رقم: 94786، وعلى هذا فلا شيء عليك وصلاتك صحيحة ـ إن شاء الله.
وأما على قول الحنابلة فقد كان يجب عليك إذا شككت في التسبيح قبل الرفع وأمكنك التدارك أن تأتي به، لأن من شك في الفعل فالأصل أنه لم يفعل، قال الشنقيطي في شرح زاد المستقنع: هذه الواجبات إذا شك في وقوعها فإنه حينئذ يتدارك إذا أمكنه التدارك، وليس لك أن تعملي بغلبة الظن فإن المعتمد عند الحنابلة هو البناء على اليقين مطلقا، وعندهم رواية ثانية في شأن الإمام أنه يعمل بغلبة ظنه، قال المرداوي في الإنصاف: قال في المذهب يبنى المنفرد على اليقين رواية واحدة، وكذا الإمام في أصح الروايتين، وكذا في مسبوك الذهب.انتهى.
وإذا لم تفعلي ما وجب عليك من التدارك حيث أمكنك فحكمك حكم من ترك التسبيح عمدا فتلزمك الإعادة عندهم، وقد بينا لك أن الراجح عندنا هو قول الجمهور، لكنك إذا كنت موسوسة فإنك تعرضين عن الوسواس جملة فلا تلتفتين إليه ولا شيء عليك، وانظري الفتوى رقم: 51601، وأما ما ذكرته من الأخطاء السابقة فإنك لم تبينيها لنا حتى ننظر إن كانت مبطلة للصلاة وموجبة للإعادة أو لا، وعلى كل فإن كنت فعلت فيما مضى ما تبطل به صلاتك فالواجب عليك عند الجمهور قضاء تلك الصلوات، لأنها دين في ذمتك ودين الله أحق أن يقضى، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن من ترك شرطا أو ركنا من شروط الصلاة وأركانها فلا قضاء عليه إن كان جاهلا بالحكم، واحتج بما تمكنك مراجعته في الفتويين رقم: 109981، 98617، وقول الجمهور أحوط وأبرأ للذمة.
ثم اعلمي أن دراسة الفقه وتعلم أحكام الشرع لا تجلب الوسوسة والاكتئاب، بل هي سبب انشراح الصدر واطمئنان النفس، فإن المؤمن لا يطمئن قلبه بمثل العلم النافع الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يفعل ما افترضه عليه ربه تعالى، ويأتي ما يأتي ويذر ما يذر على بصيرة من أمره.
والله أعلم.