عنوان الفتوى : لا سعادة للإنسان إلا بالعبودية لله والرضا بقضائه
مشكلتي الآن أنني أحس بكآبة، لم أعد أهتم بنفسي، ولا أحب أن ألبس، ولا حضور الحفلات وحتى الذهاب إلى أي مكان، وأصبحت أحزن من أي انتقاد من المعلمات أو أي أحد، أنا أعمل معلمة ولن أنوي العمل بعد هذه السنة. لم أحتمل أي انتقاد أو سخرية وأتأثر بها كثيرا، خرجت للعمل لأجد الصحبة التي تنسيني غربتي و تعبي مع أطفالي الصغار، ولكن الذي حدث العكس، أتعبني وهز ثقتي بنفسي ويستهزؤون على شخصيتي حتى أصبحت مهتزة، ولا أحب الخروج وعلى ضعفي الجسدي الذي كنت أشد الاقتناع به، وأهملت زوجي وسافر وسوف يعود وأنا لم أحس بفقده أو بالاشتياق، وليس لي نفس لأرتب نفسي لاستقباله، وسفري أنا قد اقترب لا أحب أن أذهب لأهلي بهذه النفسية التي هي مغايرة تماما لشخصيتي قبل الزواج والغربة، أصبح الحزن يعشش في كياني، ولا أقدر حتى على التمثيل بالفرح مهما صار، وتركت الصلاة والقرآن وهذا ما يعذبني أكثر، و أقول كل يوم أريد الصلاة ولا أقدر، ولا أستطيع التعامل مع أطفالي، أصبحت أتمنى الهروب منهم هم أشقياء جدا، كل ما أذهب إلى مكان يحبون أن يمشوا وحدهم ويضيعون ويتعبونني، عند الذهاب لفرح أو عزاء أخذت فقط البنت وعمرها سنة ونصف جننتني مع أن كل الموجودين معهم أطفال ما صار معهم الذى صار معي، والناس تقول مالها بنتك، لا أعرف ماذا؟ الله يعينك ما هؤلاء الأولاد الذي عندك؟ هذا الكلام جعلني لا أحب الخروج مع أولادي، ويخربون أغراض الناس وفي السيارة لا يجلسون يظلون يتحركون و يلعبون بأغراض السيارة وحتى كثيرا كادوا أن يتسببوا بحوادث، تعبت منهم ولما هربت للعمل الناس الذين هناك لم يحبوني وغير النقد ما أسمع، تعبت ونفسيتي تعبانة كثيرا، لا أعرف ما العمل؟ و أريد أن أرجع للصلاة ولست قادرة، و إذا صليت أكون في واد والصلاة في واد، قلبي لا يتحرك ولا يخشع. ماذا أعمل أخبروني؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجماع ما حل بك إنما هو بسبب بعدك وشرود قلبك عن الله، وفراغه من محبة الله جل وعلا والتعلق به؛ فإنه: لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه. إغاثة اللهفان.
ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا، ولهذا قال حكاية عن نبيه أنه قال لصاحبه أبي بكر:لا تحزن إن الله معنا. فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له والحزن، وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن؟! ومن فاته الله فبأي شيء يفرح؟! قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا. فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به، من حبيب أو حياة أو مال أو نعمة أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها في قلبه، ونضرتها في وجهه. طريق الهجرتين.
فلا مخرج لك مما أنت فيه إلا بالإقبال على الله، والإنابة إليه والانطراح بين يديه، وتعمير قلبك بمعرفته ومحبته.
فإذا وفقت لذلك، فحينئذ تجنين الثمار الطيبة لذلك من ذهاب الكآبة والحزن، وحلول السعادة محلهما.
قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. {النحل:97}.
وحينئذ يقوى قلبك، وكيف لا يقوى وقد توكلت على العزيز الرحيم، وآويت إلى ركن شديد.
وحينئذ تشعرين بالثقة بالله تعالى، ولا تبالين بنقد الآخرين لك ما دمت على حق، وما دامت أفعالك ترضي ربك، بل إن الله سبحانه يجعل لأهل محبته حبا وودادا في قلوب أوليائه. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا. {مريم:96}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في أهل الأرض. متفق عليه.
ولمعرفة وسائل الثقة بالنفس راجعي الفتويين: 25496، 25496 .
وعليك أن تعرفي أولوياتك في حياتك، فنحن إنما خلقنا لعبادة الله عز وجل. قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {الذاريات:56}.
وأن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة. كما ثبت ذلك في كتب السنن.
وإن الصلاة من الدين بمكان، فهي عماده، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، وانظري للفائدة الفتويين: 25963، 6061 .
ولمعرفة أسباب الخشوع في الصلاة راجعي الفتوى رقم: 11557.
واعلمي أن حق الزوج على زوجته أعظم الحقوق بعد حق الخالق عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه الترمذي.
أما عملك خارج المنزل فليس واجبا عليك، بل وليس مطلوبا منك أصلا؛ فإن الأصل هو قرار المرأة في بيتها، إلا إذا احتاجت إلى العمل، فحينئذ تخرج إليه مراعية الضوابط الشرعية لذلك. وانظري الفتويين: 5181، 105778.
أما الأطفال وتربيتهن فهي من الأمور التي تؤجرين عليها أجرا عظيما، إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى، ولا تظنين أن تعبك في تنشئتهم يضيع هباء منثورا. وانظري الفتوى رقم: 65427.
وختاما نهدي إليك هذا الحديث النبوي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. رواه أحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.