عنوان الفتوى : مسألة حول إيصال الماء إلى البشرة في الغسل
جاء فى كتاب الفقه على المذاهب الاربعة الآتى : إذا كان الشعر غزيرا فان الأئمة الثلاثة قد قالوا إن الواجب هو أن يدخل الماء إلى باطن الشعر، فعليه أن يغسله ظاهرا ويحركه كي يصل إلى باطنه، أما الوصول إلى البشرة ــ الجلد ــ فإنه لا يجب 0000 وقد ذكرتم في بعض الفتاوى أنه يجب وصول الماء إلى منابت الشعر-الجلد- حتى لو كان الشعر غزيرا. فأرجو من فضيلتكم التوضيح ؟ كما أرجو ألا تحيلوني إلى فتاوى أخرى لأنني بصراحة قد لا أجد فيها بغيتي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء في الكتاب الذي أشرت إليه ما يوافقُ ما نفتي به، وما قرره أهل العلم في كتبهم، جاء في الكتاب المذكور ضمن فرائض الغسل :
الفرض الخامس من فرائض الغسل : تخليل الشعر، فأما شعر اللحية فإن كان غزيرا ففي تخليله خلاف، فبعضهم يقول : إنه واجب، وبعضهم يقول : إنه مندوب. وأما شعر البدن فإنه يجب تخليله في الغسل باتفاق سواء كان خفيفا أو غزيرا، ويدخل في ذلك هدب العينين، والحواجب، وشعر الإبط والعانة، وغير ذلك، لا فرق في كل هذا بين الرجل والمرأة، وإذا كان الشعر مضفورا فلا يخلو إما أن يكون بخيوط من خارجه، أو مضفورا بغير خيوط. فإن كان مضفورا بخيوط فإنه لا يجب حله إن كانت هذه الخيوط ثلاثة فأكثر، أما إن كانت هذه الخيوط أقل من ثلاث فإنه لا يجب نقضه إلا إذا اشتد ضفره، وتعذر بسبب ذلك إيصال الماء إلى البشرة، وكذا إذا كان ضفره شديدا يتعذر معه إيصال الماء إلى البشرة وجب نقض الشعر وإلا فلا. انتهى.
وأما كلامه الذي أشرت إليه فقد جاء في موضع آخر من الكتاب، حيثُ قال المصنف :
واتفقوا على وجوب تخليل الشعر إذا كان خفيفا يصل الماء إلى ما تحته من الجلد، أما إذا كان غزيرا فإن المالكية قالوا: يجب أيضا تخليله وتحريكه حتى يصل الماء إلى ظاهر الجلد، أما الأئمة الثلاثة فقد قالوا : إن الواجب هو أن يدخل الماء إلى باطن الشعر، فعليه أن يغسله ظاهرا ويحركه كي يصل الماء إلى باطنه أما الوصول إلى البشرة - الجلد - فإنه لا يجب. انتهى.
ولا شك في أن هذا الكلام يتناقض مع ما قبله، فهو وهمٌ أو سبقُ قلم من المصنف، والصواب ما قرره أولاً. واعلم أن العلماء متفقون على وجوب تخليل الشعر، وإيصال الماء إلى البشرة في غسل الجنابة، بخلاف الوضوء، فإن اللحية الكثيفة يُكتفى بغسل ظاهرها، ولا يجبُ تخليلها.
قال النووي في المجموع مبيناً الفرق بين الحدث الأصغر والأكبر في هذه المسألة:
وأما النية وإفاضة الماء على جميع البدن شعره، وبشره فواجبان بلا خلاف – أي عند الشافعية - وسواء كان الشعر الذى علي البشرة خفيفا أو كثيفا يجب إيصال الماء إلى جميعه، وجميع البشرة تحته بلا خلاف، بخلاف الكثيف في الوضوء، لأن الوضوء متكرر فيشق غسل بشرة الكثيف، ولهذا وجب غسل جميع البدن في الجنابة دون الحدث الاصغر.انتهى.
وقال ابن قدامة مبيناً دليل وجوبِ إيصال الماء إلى البشرة في الغسل :
وغسل بشرة الرأس واجب سواء كان الشعر كثيفا أو خفيفا، وكذلك كل ما تحت الشعر كجلد اللحية وغيرها لما روت أسماء أنها سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن غسل الجنابة فقال : تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض عليها الماء.
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل به من النار كذا وكذا. قال علي: فمن ثم عاديت شعري. قال : وكان يجز شعره. رواه أبو داود. ولأن ما تحت الشعر بشرة أمكن إيصال الماء إليها من غير ضرر فلزمه كسائر بشرته. انتهى.
وبهذا تعلم أن ما ذكرناه في فتاوانا يُطابق قول العلماء ولا يُخالفه .
وأما إن كنت تعني بكلام صاحب الفقه على المذاهب الأربعة ما ذكره في فرائض الوضوء بقوله :
أما تخليل شعر اللحية، فإن الشافعية اتفقوا مع غيرهم من الأئمة على أنه إن كان الشعر خفيفا بحيث يرى الناظر إليه ما تحته من جلد الوجه - البشرة - فإنه يجب تخليله كي يصل الماء إلى البشرة، وإن كان غزيرا فإنه يجب غسل ظاهره فقط ويسن تخليله، إلا أن المالكية قالوا: إن الشعر الغزير وإن كان لا يجب تخليله فإنه يجب تحريكه باليد كي يدخل الماء خلال الشعر وإن لم يصل إلى الجلد، وأما التخليل فهو غير واجب. فالأئمة متفقون على أن تخليل الشعر الخفيف الذي ينفذ منه الماء إلى الجلد لازم. أما الشعر الغزير فثلاثة منهم يكتفون بغسل ظاهره، والمالكية يزيدون تحريكه باليد،لا بقصد إيصال الماء إلى الجلد، بل ليغسل من الشعر ما يمكن غسله بسهولة، وغير ذلك خطأ. انتهى.
فاعلم أن تخليل اللحية في الوضوء غير واجب كما ذكر ذلك المصنف، وقد مر بك في كلام النووي السابق وجه التفريق بين الوضوء والغسل في هذا الحكم فتنبه.
والله أعلم.