عنوان الفتوى : حكم من ينزل منها في بعض الأحيان قطرات من الدم
زوجتي ولدت منذ سنة ولم تأتها الدورة الشهرية، وفي بعض الأحيان ينزل منها قطرات من الدم ( في وقت بين صلاتين، ولا ترى بعدها شيئاً، ففي هذه الحالة هل يجب عليها الغسل حتى تصلي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولاً إلى أن هذا الدم اليسير إن كانت زوجتك قد رأته في مدة الأربعين يوماً بعد بدء النفاس ، والتي هي أكثر مدة النفاس على القول المفتى به عندنا فهو نفاس ، فإن لم تكن قد اغتسلت بعد انقطاعه ، فما صلته من الصلوات بغير غسل وقع غير صحيح لفوات شرطه وهو الطهارة ، ولزمها إعادة تلك الصلوات .
قال ابن قدامة مبيناً خلاف العلماء في الدم العائد في مدة الأربعين: وإن عاد دمها في مدة الأربعين ففيه روايتان : أحدهما: أنه من نفاسها تدع له الصوم والصلاة نقل عنه أحمد بن القاسم أنه قال : فان عاودها الدم قبل الأربعين أمسكت عن الصلاة والصوم، فان طهرت أيضا اغتسلت وصلت وصامت. وهذا قول عطاء والشعبي لأنه دم في زمن النفاس فكان نفاسا كالأول، وكما لو اتصل. والثانية: أنه مشكوك فيه، تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم احتياطا، وهذه الرواية المشهورة عنه نقلها الأثرم وغيره ولا يأتيها زوجها. وقال مالك : إن رأت الدم بعد يومين أو ثلاثة فهو نفاس وإن تباعد ما بينهما فهو حيض، ولأصحاب الشافعي وجهان فيما إذا رأت الدم يوما وليلة بعد طهر خمسة عشر يوما فهو دم فساد تصلي وتصوم ولا تقضي، وهذا قول أبي ثور وإن كان الدم الثاني يوما وليلة فالحكم فيه كما قلناه من أنه تصوم وتصلي وتقضي الصوم.
ولنا : أنه دم صادف زمن النفاس فكان نفاسا كما لو استمر، ولا فرق بين قليلة وكثيره، لما ذكرناه من جعله حيضا، فإنما خالف في العبارة فإن حكم الحيض والنفاس واحد. انتهى بتصرف. وانظر الفتوى رقم: 113329، والفتوى رقم: 58315.
وأما ما تراه من هذا الدم اليسير بعد مُضي أكثر مدة النفاس وهي أربعون يوماً على الراجح ، فهو مختلفٌ فيه بين أهل العلم؛ فمذهبُ جمهور العلماء أن أقل الحيض يوم وليلة ، وقد رجحنا هذا القول في الفتوى رقم: 116330.
وعلى هذا القول فلا يجبُ على زوجتك أن تغتسل إذا رأت هذه القطرات من الدم ، لأنها دمُ فسادٍ ، وإنما تستنجي منها وتطهر المحل وتتوضأ ، ومذهبُ مالكٍ رحمه الله ، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ليس لأقل الحيض حد.
قال النووي: قال ابن جرير: وأجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضا . وهذا الإجماع الذي ادعاه غير صحيح فإن مذهب مالك أن أقل الحيض يكون دفعة فقط. انتهى.
وقال ابن قدامة: وقال مالك بن أنس: ليس لأقله حد ، يجوز أن يكون ساعة؛ لأنه لو كان لأقله حد ، لكانت المرأة لا تدع الصلاة حتى يمضي ذلك الحد. انتهى.
وعلى هذا القول ، فإن ما تراه زوجتك من قطرات الدم ، يُعد حيضا ويجبُ عليها أن تغتسلَ إذا رأت النقاء منه ، ولا شك في أن هذا القول أحوط ، وأبرأ للذمة مع أنه مرجوح كما قدمنا .
والله أعلم.