عنوان الفتوى : مسائل تتعلق بالسلس ومتى يعتبر صاحب سلس
ابتليت بصعوبة المحافظة على الوضوء، حيث إنني كثير التبول وإطلاق الريح، وفي بعض الأحيان أجد قطرات من البول في الملابس الداخلية. فهل أنا صاحب سلس؟ و هل يجوز لي أن أحبس هذه النواقض؟ أم أتوضأ لكل صلاة؟ وهل ينقض الغائط و إطلاق الريح و التبول و النوم هذا الوضوء أم لا؟ و ماذا أفعل مع القرآن حيث إنني قررت منذ مدة أن لا ألمس المصحف إلا طاهرا ؟ وهل هذا القرار يسمى نذرا أم لا؟ملاحظة: بدأت أشعر ببعدي عن كتاب الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا الضابط الذي يعرف به المرء إن كان مصاباً بالسلس أو لا في الفتوى رقم: 119395، وخلاصة ذلك أن من كان ينقطع خروج البول منه مدةً تكفي لفعل الطهارة والصلاة، فإنه يلزمه أن يتطهر ويصلي في ذلك الوقت، وليس هو في هذه الحال مصاباً بالسلس، ولمزيد الفائدة وللاطلاع على كلام أهل العلم في المسألة راجع الفتوى رقم: 114190.
فإذا كان خروج البول منك مستمراً بحيثُ لا يمكنك أداء الصلاة في أثناء الوقت بطهارة صحيحة فأنت صاحبُ سلس تتوضأ بعد دخول الوقت، وتصلي بوضوئك الفرض وما شئت من النوافل.
وأما إذا كان خروج البول منك يتوقف مدةً تسع فعل الطهارة والصلاة كما هو الظاهر فلست صاحب سلس، والواجب عليكَ أن تصلي في ذلك الوقت بطهارةٍ صحيحة.
وليست كثرة الحاجة إلى قضاء الحاجة مما يوجبُ الوصف بالسلس، وأما ما تجده في ثوبك من قطرات البول أحياناً ، فالواجبُ عليكَ أن تغسل منه ثوبك وتستبرئ وتتوضأ للصلاة .
وأما حبسكَ هذه النواقض فهو مكروهٌ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وهو يدافعه الأخبثان أخرجه مسلم، لكن إن خشيتَ خروج الوقت صليت على حسب حالك، ولا تخرج الصلاة عن وقتها، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 118680.
ولا يجوز لكَ أن تكتفي بالوضوء لكل صلاة إلا إن كنت معذوراً بانفلات الحدث وعدم قدرتك على التحكم في خروجه، وأما سؤالك عن انتقاض الوضوء بالبول والغائط والريح والنوم، فإن هذه الأشياء من نواقض الوضوء، غير أن في انتقاض الوضوء بالنوم خلافاً وتفصيلا للعلماء، وقد بينا نواقض الوضوء المتفق عليها والمختلف فيها في الفتوى رقم: 1795.
وهذه النواقض تنقض وضوء صاحب السلس إذا تعمد فعلها، وإنما يُعفى له عن حدثه الدائم فحسب لأنه الذي أنيطت به الرخصة.
قال ابن قدامة في شأن المستحاضة، وفي معناها المعذور بالسلس ونحوه: وإن خرج الوقت بعد أن خرج منها شيء ، أو أحدثت حدثا سوى هذا الخارج ، بطلت الطهارة.انتهى
وأما ما قررته من ترك مس المصحف، فاعلم أنه لا يجوزُ مس المصحف إلا للمتوضيء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وألا يمس القرآن إلا طاهر. أخرجه الدارقطني، وهذا قول الأئمة الأربعة وغيرهم، وحكى فيه ابن تيمية اتفاق الصحابة، فإذا لم تكن صاحب سلس فلا يجوز لك مس المصحف إلا إذا كنت متوضئاً، وأما صاحب السلس فإنه إذا توضأ بعد دخول الوقت صلى الفرض وما شاء من النوافل، وكان له أن يمس المصحف حتى يخرج الوقت، أو يُحدث حدثاً آخر0 وهذا الذي قررته لا يُسمى نذراً لأنه ليس متضمناً لصيغة النذر، وانظر الفتوى رقم: 102449.
وأما ما تشعر به من البعد عن كتاب الله فليس له ما يسوغه، فإن علاج مشكلتك والتي هي عدم إمكان المحافظة على الوضوء مدة طويلة يسير بإذن الله، إذ يمكنك أن تمس المصحف من وراء حائل، وتقلب الصفحات بقلم أو نحوه، كما يمكنك أن تقرأ في غير المصحف ككتب التفسير مثلاً، فإن مسها لا يحرم على المحدث.
قال ابن قدامة في المغني: ويجوز تقليبه بعود ومسه به، وكتب المصحف بيده من غير أن يمسه، وفي تصفحه بكمه روايتان، وخرج القاضي في مس غلافه وحمله بعلاقته رواية أخرى أنه لا يجوز بناء على مسه بكمه. والصحيح: جوازه، لأن النهي إنما يتناول مسه والحمل ليس بمس.انتهى.
والله أعلم.