عنوان الفتوى : عاهد الله ألا يعود إلى الذنب لكنه عاد
فعلت ذنبا، ولكن تبت، ووعدت الله بعدم الرجوع إليه، ولكني عدت إليه. فماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أيتها السائلة أن التوبة لها شروط ثلاثة: الإقلاع، والندم، والعزم على عدم العود، ويزاد شرط رابع فيما إذا كانت المظلمة في حقوق العباد، فإذا تحققت هذه الشروط فأبشري بقبول توبتك، فقد وعد سبحانه بقبول التوبة بقوله: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى: 25}
فإن حدث بعد ذلك وعدت إلى نفس الذنب فعليك أن تجددي التوبة مرة أخرى من رجوعك إليه، فقد قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. {البقرة: 222}.
ومعنى التوابين أي الذين يتوبون من الذنب وإن تكرر حدوثه منهم، قال ابن كثير رحمه الله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ. أي: من الذنب وإن تكرر غشْيانه. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ ،فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلَاثًا فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفاً وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت. معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولا إغراء بالرجوع إليها فإن العود إلى الذنب قبيح لما يتضمنه من نقض التوبة، ولكن فيه فائدة عظيمة أشار إليها القرطبي رحمه الله بقوله :وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وان كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة، لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله. انتهى. من فتح الباري.
والله أعلم.