عنوان الفتوى : خلع النقاب لأجل العمل
أخوالي ضاقوا بالإنفاق علي- تلميحاً لا تصريحاً- و من هذه التلميحات أن أحدهم غضب مني بشدة لأن خطوبتي فسخت على شخص أحمد الله الذي نجاني منه لأن الكل كان يعلم عيوبه - بما فيهم أخوالي- و الكل كان ينصحني بالفسخ و كنت أنا أصبر عليه لعله يتغير لدرجة أن هذا الخاطب نفسه كان يستغرب من صبري عليه و يعترف بأخطائه وسوء طبعه والله العظيم، و الآن فجأة خالي غضب مني لدرجة أن أغلق الهاتف في وجهي لأول مرة، وقال لي يعني كيف أني سمحت للخطوبة أن تفسخ بعد كل هذه المدة والجهد ويمدح في ذلك الشخص كأني أنا من فسخ الخطوبة وأساء السلوك، بل أنا والله يا شيخ من تحس بالغدر الرهيب من قبل هذا الشخص لأني -بشهادته هو و كفى بالله شهيداً- صبرت عليه كثيرا جدا و تحملت منه الكثير و الكثير، و الآن يفسخ هو الخطوبة و يقول لخالي كلاما عني حسبي الله و نعم الوكيل. سبحان الله، أنا لم أعد أتحمل إحساسي بأني عبء عليهم في كل شيء : ماديا و معنويا، أنا تعبت من احتياجي إليهم في كل شيء، و أحس بذل و مهانة وظلم كبير وقع علي، حسبي الله أنا أريد فقط أن أعمل و أستغني عنهم لأنهم ضاقوا بي و بنفقاتي, و المفروض أني أفهم ذلك من نفسي لماذا يجب أن أكون دائما عالة عليهم و لا أعتبر محتاجة للعمل ؟ لماذا لا يعد الاستعفاف و الاستغناء حاجة بل ضرورة تدفع المرأة للعمل ؟ أليس عملي أفضل من أن أحس بالذل في كل لحظة؟ أنا لا أريد منهم أن ينفقوا علي للأبد، أريد أن أعيش بكرامتي مستغنية عنهم كما كنت دائما قبل وفاة أمي ...لكن الحمد لله على جميع قضائه، أنا فقط أريد الاستعفاف و الاستغناء عنهم. لاسيما و قد ضاقوا فعلا بالإنفاق علي... و هناك الكثير من الدلائل لا يتسع المقام لذكرها ولا يوجد عمل بعائد مادي جيد يقبل بالنقاب ... و أنا لا يمر يوم علي دون أن أبكي حتى أصابني اكتئاب فعلاً والله وأنا لم أنتقب على أن النقاب فرض و لكن انتقبت عملا بالأحوط, أما الآن فأنا بحاجة للعمل و لذا فكرت في خلعه لأعمل بأي وظيفة, بدلا من الوحدة الرهيبة التي أعيشها والاحتياج الدائم لأخوالي في كل شيء. أنا تعبان, و خائفة, و أحس أن هذا عقاب من الله سبحانه و تعالى لي على أخطائي في فترة الخطوبة، وأني كنت أتساهل في الكلام مع خطيبي و أعترف بذنبي و خطئي و أتوب إلى الله، و أحمده الذي نجاني من هذا الخاطب. باختصار يا شيخ أنا فتاة لم تعد تفكر بالزواج, بل فقط أريد أن أعمل و أنفق على نفسي، فماذا ترون لي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي وفقك لمحاسبة نفسك، والنظر في أسباب هذا البلاء الذي نزل بك واستصحاب ما كان منك من تفريط في جنب الله أثناء فترة الخطوبة، وملاحظة ذلك بعين الندم والتوبة، فقد قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى : 30}
وأبشري بقبول توبتك إن أنت صدقت فيها مع ربك, فإن العبد إذا اعترف بخطئه وتاب إلى ربه فإن الله يتوب عليه, قال سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء: 110}
وننصحك بالصبر على أذى أخوالك وعلى معاملتهم الفظة الغليظة فهم من أرحامك والواصلون لأرحامهم الصابرون على أذاهم لهم عند ربهم أجرهم ونورهم, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وفي صحيح مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
وعليه.. فابحثي عن عمل يمكنك ممارسته وأنت منتقبة فلن تعدمي ذلك، فكثير من المدارس الإسلامية للأطفال والفتيات، وكثير من دور تحفيظ القرآن الكريم أكثر العاملات فيها من المنتقبات.
ولكن إن لم يتيسر لك هذا بعد البحث والتحري فيجوز لك خلع النقاب لممارسة عمل ما تتحقق فيه الضوابط الشرعية الأخرى, ويعتبر هذا من باب الضرورة، لأن حالتك التي تذكرين لا شك أنها وصلت حد الضرورة التي تبيح فعل المحذور، ما دام أخوالك لا يرغبون بالنفقة عليك، وليس لك مصدر رزق، وهذا على مذهب الجمهور الذين لا يوجبون على أخوالك أن ينفقوا عليك. وأما على مذهب من يوجبون عليهم النفقة كالحنفية فإنه لا حرج عليك في أن تأخذي منهم النفقة اللازمة لك وليس في ذلك غضاضة عليك.
هذا، ونوصيك باستمرار البحث وأنت في هذا العمل عن عمل آخر يتيح لك الالتزام بالنقاب.
والله أعلم.