عنوان الفتوى : قضاء الله تعالى لعبده المؤمن خير دائما
أريد التوضيح الآن: الإنسان مخير ولذلك هناك عقاب وثواب حسب اختيارنا، هناك فتيات يتقدم لهن خطاب ولا يعودون مرة أخرى لهن لقلة جمال مثلا ،هي اختارت ذلك لنفسها وأنا بالنسبة لي تقدم لي شخص ولكن والدتي رفضته بشدة ولكنني وافقت عليه غصبا عنها فغضبت علي ولم أوفق بزواجي منه وانفصلت عنه لأن حياتي قلبت جحيما معه، هل هذا اختياري أنا أيضا رغم أنني حاولت استرضاء أمي لكن كانت دائما تعيرني وأنا حزينة جدا لما حصل وهو قد تزوج الآن ونسيني فهل أنا التي صنعت ذلك لنفسي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان المرء إلا به, ومعنى هذه العقيدة أن الله سبحانه هو العالم بكل شيء, وهو خالق كل شيء, ولا شيء يحدث في الكون إلا بإرادته ومشيئته, وكل ذلك قد كتبه الله سبحانه في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض.
قال البغوي –رحمه الله - في شرح السنة: الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن خلقهم، قال الله سبحانه وتعالى: والله خلقكم وما تعملون، وقال الله عز وجل: قل الله خالق كل شيء، وقال عز وجل : إنا كل شيء خلقناه بقدر. انتهى.
ولا يجوز للمسلم أن يبحث عن سر القدر, ولا أن يسأل لم فعل الله كذا؟ لم أعطي هذا ومنع هذا ؟ لم أغني هذا وأفقر هذا ؟ فهذا مما استأثر الله به, فلم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل , فمن حاول ولوج هذا البحر اللجي فيوشك أن يضل ويشقى, وأن يذل ويخزى.
قال الطحاوي – رحمه الله: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال الله تعالى في كتابه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
وقال - رحمه الله - أيضا: وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته كما قال تعالى في كتابه : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا وقال تعالى: وكان أمر الله قدرا مقدورا ) فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما لقد التمس بوهمه في محض الغيب سرا كتيما وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما. انتهى.
وليعلم المسلم أن قضاء الله سبحانه دائما هو الخير والحكمة فعلى العبد أن يرضى دائما بما قضاه الله وقدره , ويعلم أن قضاءه سبحانه لعبده المؤمن دائما خير, وإن رآه العبد في صورة الشر.
وبعد هذه المقدمة الهامة نقول: أما قولك إن هناك فتيات ما هن بجميلات ولأجل ذلك أعرض عنهن الخطاب, فهذا من قضاء الله وهو الخير لهن ولا شك, فالإنسان لا يدري أين سعادته أو مصلحته, وقد رأيت أنت بنفسك – أيتها السائلة – بعد أن خالفت أمك في شأن هذا الرجل, وأصررت على الزواج منه كيف تحولت حياتك – كما تقولين – إلى هم وغم, وهذا أيضا من قدر الله, قد يكون عقوبة بسبب مخالفة أمر أمك وقد لا يكون كذلك, لكنه في النهاية هو الخير لك, والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أما بخصوص الحكم الشرعي فيما إذا أصرت الفتاة على الزواج بشخص معين وعارضها في ذلك والداها أو أحدهما فقد بينا تفصيل هذا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65811 , 48766, 29716.
وخلاصته أنه لا يجوز للأب ولا للأم ولا لغيرهما أن يمنعوا المرأة من الزواج إذا خطبها من هو مرضي في الدين والخلق، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. رواه الترمذي، ومنعهم إياها من الزواج بالكفء عضل محرم، ولكن يجب على الفتاة أن تطيع والديها إن هما أصرا على ذلك إلا إذا خافت على نفسها الوقوع في الحرام إن هي تركت هذا الزواج فحينئذ لها الزواج به ولو لم يوافقا, وإذا منعها أبوها من الزواج من كفئها الذي ارتضته يزوجها الحاكم أو وليها الأبعد.
والله أعلم.