عنوان الفتوى : أبو حيان الأندلسي هل التزم مذهب السلف في الأسماء والصفات
ورد في مقال على الموقع أن أبا حيان الأندلسي لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات فهل هذا صحيح، مع التوضيح والدليل؟ ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنص ما جاء في المقال المشار إليه في السؤال هو (والمتأمل في هذا التفسير، يلمس أن أبا حيان -رحمه الله- كان في منهجه بعيداً عن أقوال أهل الفلسفة، وبريئاً من مذهب أهل الاعتزال، غير أنه -في المقابل- لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات، وإن ظهرت عنده بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة في ذلك، ومن أمثلة ما خالف فيه أبو حيان -رحمه الله- مذهب أهل السنة في مسائل الصفات قوله في صفة الإتيان: والإتيان حقيقة في الانتقال من حيز إل حيز، وذلك مستحيل بالنسبة إلى الله تعالى... ولم يزل السلف في هذا وأمثاله يؤمنون، ويكلون فهم معناه إلى علم المتكلم به. تفسير البحر المحيط.. وهذا مع مخالفته لمذهب أهل السنة، فيه نسبة القول بتفويض المعاني للسلف، وليس بصحيح.
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله في صفة استواء الله تعالى على عرشه: أما استواؤه على العرش فحمله على ظاهره من الاستقرار بذاته على العرش قوم، والجمهور من السلف السفيانان ومالك والأوزاعي والليث وابن المبارك وغيرهم في أحاديث الصفات على الإيمان بها وإمرارها على ما أراد الله تعالى من غير تعيين مراد، وقوم تأولوا ذلك على عدة تأويلات، وقال سفيان الثوري: فعل فعلاً في العرش سماه استواء. البحر المحيط. وهذا أيضاً فيه نسبة القول بتفويض المعاني للسلف، وليس بصحيح.. وقد سبق بيان مذهب أهل السنة وإيراد النقول عنهم في هذه المسألة، وذلك في الفتوى رقم: 66332، والفتوى رقم: 72812، كما سبق بيان معنى قول السلف (الاستواء غير مجهول) في الفتوى رقم: 7256.
ومن أمثلة ذلك أيضاً كلامه على تفسير قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء {المائدة:64}، حيث قال: معتقد أهل الحق أن الله تعالى ليس بجسم ولا جارحة له، ولا يشبه شيء من خلقه، ولا يكيف ولا يتحيز ولا تحله الحوادث، وكل هذا مقرر في علم أصول الدين، والجمهور على أن هذا استعارة عن جوده وإنعامه السابغ، وأضاف ذلك إلى اليدين جارياً على طريقة العرب في قولهم: فلان ينفق بكلتا يديه...
ثم ذكر كلام الزمخشري في تأويل الآية ثم قال: وكلامه في غاية الحسن! وقيل عن ابن عباس: يداه نعمتاه. فقيل: هما مجازان عن نعمة الدين ونعمة الدنيا، أو نعمة سلامة الأعضاء والحواس ونعمة الرزق والكفاية، أو الظاهر والباطنة، أو نعمة المطر ونعمة النبات، وما ورد مما يوهم التجسيم كهذا. وقوله: (لما خلقت بيدي) و (مما عملت أيدينا) و(يد الله فوق أيديهم) و (لتصنع على عيني) و (تجري بأعيننا) و (هالك إلا وجهه) ونحوها، فجمهور الأمة أنها تفسر على قوانين اللغة ومجاز الاستعارة وغير ذلك من أفانين الكلام. البحر المحيط..
وفي هذا الكلام استحسان للغاية لمذهب المعتزلة النفاة وعلى رأسهم الزمخشري.. وقد سبق أيضاً بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في نحو هذه الصفات في الفتوى رقم: 26299، والفتوى رقم: 55066، وبيان أن السلف يثبتون الصفات ويفوضون الكيفية في الفتوى رقم: 46438، والفتوى رقم: 55619.
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي في كتابه (المفسرون بين التأويل والإثبات) ثلاث وعشرين صفة من صفات الله تعالى، أولها أبو حيان من صفحة 1088 إلى صفحة 1111 من الكتاب المشار إليه، ويمكن الاستفادة في هذا الباب أيضاً من كتاب (أبو حيان وتفسيره البحر المحيط) للدكتور بدر بن ناصر بدر، ومع ذلك فكتاب أبي حيان في التفسير جاء فيه -كما ورد في المقال مثار السؤال- بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة، فهو أقرب وأسلم من غيره من كتب التفسير بالرأي، ولذلك قال الشيخ صالح آل الشيخ في (مناهج المفسرين): من احتاج إذن إلى أن ينظر في تفسير من التفاسير بالرأي فليكن تفسير الشوكاني ( فتح القدير) يتلوه وهو أصعب منه تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط) فإنه في العقيدة يغلب عليه السلامة. انتهى.
والله أعلم.