عنوان الفتوى : قسوة الأب وظلمه لا يسقط حقه في البر
والله لا أعرف كيف أبدأ بسرد مسألتي لكنها باختصار أنا أبي فظ غليظ القلب لا يعرف العطف ولا الحنان لقلبه طريق، والله لم أقصر معه في شيء، فلقد بنيت له بيتا كاملاً على حسابي وهو لم ينفق على تعليمي وأنفقت على نفسي بنفسي ولم أقل له يوما إنه لم يهتم لا بتعليمي ولا بزواجي ولا بغير ذلك بل أساعده في تعليم أخواتي وإخوتي وعند كل راتب أعطيه مبلغا بسيطا من المال وهو بغير حاجة فهو موظف وزوجته موظفة أيضا ورغم ذلك هو لا ينفق على إخوتي كما ينبغي بل يذلهم إذلالا عندما يطلبون شيئا ويسمعهم كلام كثيرا .. وعندما تزوج زوجته الحالية تخلى عنه الجميع وأنا عرضت عليه أن أداينه المهر ووافق على ذلك وكان موعدنا أن يكون قد رد لي المبلغ كاملا حتى شهر نوفمبر وهو حتى الآن لم يرد لي إلا الجزء اليسير وأنا لا أطالبه بشيء وفي نيتي إن طال الأمد أن أسامحه ورغم كل هذا فأبي أشعر بأنه لا يطيق أن يراني فدائما نظراته إلي تقتلني فإني أتمنى أن أرى أبي مبتسما في وجهي ولا أعرف لماذا هو متحامل علي هكذا وهو أيضا مع إخوتي جميعا هكذا لكن الذي يؤلمني أني فعلت له الكثير وأقول لنفسي دائما لعله متضايق من شيء ما لكن بعد لحظات أراه يكرر مع زوجته فلماذا كل هذه القسوة يا أبي؟ فلا أدري ما أفعل فأخاف من غضبه ولا أعرف كيف أرضيه فلا شيء يرضيه !!!! فمهما فعلنا لا أظن أنه سيصبح حنونا وعطوفا بعد هذا العمر فعمره الآن 54 سنة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}.
ولا شك أن ما تفعله من بره والإنفاق عليه ولو مع عدم حاجته، فهو من الإحسان إليه ، ومن الأعمال التي يحبها الله، فنسأل الله أن يثبتك ويتقبل منك.
أما عن قسوة والدك وتقصيره في الإنفاق على أولاده، فلا شك أن ذلك من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة، لكن مهما كان من سوء خلقه وظلمه لكم أو لأمكم، فإن ذلك لا يسقط حقه عليكم في البر وعدم جواز مقاطعته أو الإساءة إليه، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان: 14}.
وإنما لك أن تنصحه بالرفق، أو تستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه، وتكثر له الدعاء بالهداية، ولا تيأس أبداً، فليست هدايته في هذه السن أمرا بعيدا على الله، واعلم أنك إذا قمت بما أمرك الله نحوه من البر والإحسان، فلا يضرك غضبه وعدم رضاه، وننبهك إلى أن حرصك على بر والدك والإحسان إليه، إذا كان خالصاً لله، فهو من أقرب الطرق إلى الجنة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني.
والله أعلم.