عنوان الفتوى : حكم مطالبة الابن أباه بسداد دينه الذي عليه له
أمي ماتت قبل فترة وجيزة وأبي بعد وفاتها بأسبوع قرر أن يتزوج, ولا يوجد معه ما يكفيه من أمر الزواج, فطلب أن يستدين مني مبلغ 2000 دينار وهو مبلغ كبير عندنا في قطاع غزة, وهذا المبلغ هو ثمن ذهب زوجتي بعناه لكي نستطيع شراء بيت مستقل وكان أبي قد وعدني أن يسدد لي المبلغ بالكامل خلال فترة وجيزة, وهو الآن واضح أنه غير مكترث بالسداد، علماً بأنه هو وزوجته الجديدة موظفان في الحكومة ورواتبهم منتظمة في الحكومة وأنا بحاجة ماسة لهذا المال وخاصة أن إخوتي يعتمدون علي في تلبية حاجاتهم, فأبي لا يكترث بأحد وإن طلبوا منه شيئا دائما يرفض.. فهل يجوز لي أن أطالبه بهذا المال؟ وإن طالبته وامتنع ماذا أفعل مع أبي..؟ فطبيعة أبي طوال عمره جاحد ولا يحب إلا نفسه ولم يهتم يوما بأحد منا.. فأفيدونا أفادكم الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجمهور أهل العلم على أن للولد مطالبة أبيه بماله، وذهب الحنابلة إلى أنه ليس له ذلك، والراجح أنه يجوز لك مطالبة والدك بالدين، لأن الأب يجب له البر والإحسان والاحترام بكافة أنواعه، ولكن لا يجب أن يبذل له المال إذا كان في غنى عنه، أو كان الابن محتاجاً إلى ذلك المال، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مطل الغني ظلم. متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والمطل هو منع قضاء ما استحق أداؤه، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله.
ولكن إن تركت المطالبة بهذا الدين فإنك تؤجر على ذلك، لأنه من البر والإحسان بالوالد... فإذا امتنع والدك عن أداء الدين فليس لك إلا مطالبته بالمعروف، وقد قال ابن قدامة في المغني: إذا امتنع الموسر من قضاء الدين، فلغريمه ملازمته ومطالبته والإغلاظ له بالقول، فيقول: يا ظالم، يا معتد، ونحو ذلك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لي الواجد، يحل عقوبته وعرضه. فعقوبته حبسه، وعرضه أي يحل القول في عرضه بالإغلاظ له. انتهى.
ولكن هذا في غير الوالدين لأن الوالدين يجب برهما، وقد بين ذلك الكاساني في بدائع الصنائع بقوله: فلا يحبس الوالدون وإن علوا بدين المولودين وإن سفلوا لقوله تبارك وتعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا. وقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً. وليس في المصاحبة بالمعروف والإحسان حبسهما بالدين. انتهى.
وتقصير الأب في حق أبنائه لا يسقط حقه في البر، ولا يبيح إساءتهم إليه ومعاملتهم إياه له بجفاء وقسوة، كما لا يجوز لك إطلاق هذه الألفاظ التي ذكرتها في حق والدك.
وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 65184، 69358، 76201، 103512، 109958.
والله أعلم.