عنوان الفتوى : الرضا والتسليم وحكمة ابتلاء الأطفال بالمرض
هل يجوز لي الإيمان بالله بدون الإيمان بأسمائه وصفاته حيث إني أجد من الصعب الإيمان بها لكونها تتعارض مع أشياء كثيرة في حياتي من أهمها اسم وصفة الرحمن ابنتي مصابة بالسرطان منذ أن كانت في الثانية والنصف من عمرها!!! فهل هذه هي الرحمة التي كتبها الله على نفسه، وإذا رحم الله ابنتي وشفاها وبقية الأطفال المعذبين من يرحمهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته من الإيمان بالله تعالى، فالكفر بأي منها كفر به سبحانه، قال الله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا {الأعراف:180}، فاسمه سبحانه الرحمن وما دل عليه من صفة الرحمة يجب الإيمان به وبكونه بلغ الغاية في الاتصاف بها، قال تعالى: هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {الحشر:22}، وإنكار هذا الاسم من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وصفاته.
وأما إصابته خلقه بالأمراض ونحو ذلك من الأمور التي قد تحدث الآلام فلا ينافي رحمته، لأنه إنما يصيبهم بذلك لحكمة يعلمها، ويجب على المسلم أن يؤمن بأن الله تعالى له أن يتصرف في خلقه بما شاء، وأن أفعاله سبحانه في خلقه لا تصدر إلا عن حكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها، ولا بأس بأن يلتمس المسلم هذه الحكمة فإن وجدها زادته إيماناً مع إيمانه، وإن لم يجدها لم يكن منه إلا الرضا والتسليم، وأما الاعتراض عليه بمثل ما ورد بهذا السؤال فهو مناف للأدب معه سبحانه، ومما ذكر أهل العلم من حكمة ابتلاء الأطفال ببعض الآلام أن الله تعالى يعوضهم عن ذلك بعد موتهم، قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: كما اشترى من المؤمنين البالغين المكلفين كذلك اشترى من الأطفال فآلمهم وأسقمهم لما في ذلك من المصلحة وما فيه من الاعتبار للبالغين فإنهم لا يكونون عند شيء أكثر صلاحاً وأقل فساداً منهم عند ألم الأطفال وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من الهم ويتعلق بهم من التربية والكفالة، ثم هو عز وجل يعوض هؤلاء الأطفال عوضاً إذا صاروا إليه ونظير هذا في الشاهد أنك تكتري الأجير ليبني وينقل التراب وفي كل ذلك له ألم وأذى ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الأجر. انتهى.
ثم إن ما يترتب على الألم من بكاء الطفل ونحو ذلك له فيه مصالح دنيوية أيضاً، قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة: ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة، فإن الأطباء والطبائعين شهدوا منفعة ذلك وحكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمة، فالبكاء يسيل ذلك ويحدره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح. وأيضاً: فإن البكاء والعياط -أي: الصراخ- يوسع عليه مجاري النفس، ويفتح العروق، ويصلبها ويقوي الأعصاب.
وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك، فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم ما قد خفي على أكثر الناس.. انتهى.
وننبهك إلى أنه ينبغي عليك الالتفات إلى ما يمكن أن يكون سبباً لشفاء ابنتك من بذل الأسباب المعروفة من مراجعة الأطباء، ورقيتها بالرقية الشرعية وسقيها ماء زمزم ونحو ذلك هذا بالإضافة إلى الإكثار من الدعاء لها، وعدم اليأس فالإصابة بالسرطان لا تعني الموت به أو عدم إمكانية الشفاء منه كما قد يتصور بعض الناس، روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل. وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر. نسأل الله تعالى أن يشفي ابنتك شفاء تاماً لا يغادر سقماً وأن يجعلها قرة عين لك.
والله أعلم.