عنوان الفتوى : القرار في البيت أم إرضاء الوالد حيث يرغب أن أعمل
تخرجت من الجامعة قبل ثلاث سنوات تحصلت على شهادة مهندس دولة في الكهرباء التقنية ولم أعمل خارج البيت وأنا الآن قارنة في البيت لأنني اقتنعت أن المكان الأول والأخير للمرأة هو البيت، لكن مشكلتي أن أبي غير راض عني ويريد أن أخرج للعمل مثل باقي أخواتي مع أن حالتنا المادية مستورة والحمد لله وحجتي أن العمل لا يتوفر على الشروط الإسلامية لما فيه من اختلاط مع الرجال والخلوة معهم ناهيك عن التفريط في مواقيت الصلاة، ولكن ينتابني خوف لعلي آثمة في علم تعلمته ولم أنفع به نفسي وغيري كما في الدعاء فأنا أستفتيك هل أخرج للعمل لأرضي أبي أم أقر في البيت وأرضي ربي، لأكون على بينة من أمري؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا وإياك الاستقامة على الهدى، والعمل بكتاب الله تعالى، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يعيننا وإياك على ذلك.
واعلمي - يا رعاك الله - أن العليم الحكيم الذي خلق الذكر والأنثى فأحسن خلقها جعلهما من حيث التكوين الخلقي والخلقي متساوين في أمور ظاهرة جلية، وجعل لكل واحد منهما أمور ينفرد بها.
هذه عقيدتنا، وهي واقع لا يماري فيه إلا جاحد أو معاند.
وأن حكمة الله البالغة في أمره وتشريعه تقتضي أن تكون أحكامه مبنية على هذا الأساس، فسوى بينهما فيما لا أثر فيه، لاختلاف طبيعتهما وحقيقة تكوينهما، وخص كل واحد منهما بما يتناسب مع ما انفرد به من مميزات وخصوصيات، ومن تدبر سر أحكام الله تعالى على بصيرة أدرك أنها جارية كلها على هذا المنوال، فيزداد المؤمن إيماناً على أيمانه، ويطمئن ويرضى ويسلم وينقاد، ومن اعترض على ذلك وحاول أن يخرج عن هذا الإطار المحكم، وأن يأتي ببديل عنه سولته له نسفه، فإنه سيندم على ذلك في عاجل أمره وآجله.
وما يجري في المجتمعات الغربية ومن يدور في ملكها ويتعلق بإذنابها أكبر شاهد على ذلك.
وعلى ذلك فمن نظر في حال المرأة وتكوينها الخلقي والخلقي أدرك يقيناً أنه لا يليق بها أن تمارس من الأعمال حقيقة إلا الوظفية التي وظفها الله تعالى فيها، وهي القيام بشؤون بيتها وتربية أولادها ورعاية حق زوجها، وكذلك القيام بما تستطيع أن تقوم به من أعمال نافعة مفيدة، وهي قارة في بيتها مصانة محفوظة من عبث العابثين وهمزات ولمزات الشياطين، وإن اقتضى الحال أن تخرج لتمارس عملا يليق بها مضبوطاً بالضوابط الشرعية كتدريس النساء، وتطبيبهن فلا حرج في ذلك، بل إن ذلك قد يكون مطلوباً منها شرعاً.
وأما غير ذلك مما لا يتلائم مع طبيعة تكوينها ولا يتناسب مع حالها فلا يليق بها ألبته، وإن تجشمت الصعاب وحاولت أن تركب ذلك المركب الذي لا يليق بها، فقد عرضت نفسها لسخط الله تعالى أولاً ثم عرضت كرامتها وعرضها وشرفها لمن لا يتقى الله تعالى، ولا يرقب فيها إلا ولا ذمة، والواقع المرير شاهد على ذلك.
وليس في حجب المرأة عن بعض الوظائف والأعمال التي لا تليق بها ظلم لها ولا ظلم للمجتمع ولا تعطيل لبعض طاقاته كما يدعى.
بل إن في ذلك ضماناً لصيانتها وحفظا لعرضها وكرامتها، ووجود الثوارن في الجمتمع وتوزيع المهام والمسؤوليات، وقد أقر بذلك جمع من الباحثين المنصفين من غير المسلمين.
وعلى ذلك، فعليك - أيتها الأخت الكريمة - أن تسعي لإقناع أبيك أولاً بهذه الحقيقة، وتوضحي له الأمر بلطف وحكمة وتستعطفيه، بما أمكن من القول الحسن والفعل الطيب، وتبيني له أنك ما تركت الخروج للعمل إلا إيثاراً لرضا ربك، وحيطة لحفظ عرضك، وكرامتك الذين حفظهما حفظ لعرضه هو وكرامته.
ثم عليك أن تبحثي بطريقة شريفة مشروعة عن زوج صالح متدين حقاً - إن كنت غير ذات زوج - ليعفك ويسترك ويحصل لك به نوع من الاستقلال عن أبيك.
ومع ذلك فإذا كان والدك لا يرضى إلا أن تعملي، فلا حرج أن تبحثي عن عمل تعملينه يتناسب مع طبيعة المرأة وحالها، والأفضل أن يكون لا يقتضي خروجك من البيت، فإن لم يكن فليكن خروجك مضبوطاً بالضوابط الشرعية من حجاب وحشمة وعدم اختلاط بالرجال، ولا نتصور أن يكون شيء من ذلك ممكناً في مجال اختصاصك الذي ذكرته.
أما إن لم تجدي عملاً بهذه المواصفات، فلا يجوز لك أن تعملي وليس في ذلك عقوق لوالدك لأن بره إنما يكون فيما ليس معصية لله تعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله" كما في السند، وهو في الصحيحين بمعناه.
والله أعلم.