عنوان الفتوى : شرح حديث (إلا أن تكون صفقة خيار)
في الحديث: " البيعان بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" فما معنى :" إلا أن تكون صفقة خيار ، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" مع التوضيح بمثال أو مثالين للتبيين؟ وجزيتم خيراً.
الخلاصة: خيار المجلس ثابت عند جمهور العلماء في عقد البيع، ما لم يتفق العاقدان على أنه لا خيار بينهما، وأن البيع لازم لمجرد العقد من غير تفرق، ولا يحل لأحدهما أن يبادر صاحبه بالتصرف خشية أن يفسخ النادم منهما البيع.
فالحديث المذكور في السؤال رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وصححه النووي في المجموع.
وقوله: إلا أن تكون صفقة خيار يحتمل معنيين:
جاء في المغني: قوله إلا أن تكون صفقة خيار يحتمل أنه أراد البيع المشروط فيه الخيار فإنه لايلزم بتفرقهما، ولا يكون تفرقهما غاية للخيار فيه لكونه ثابتا بعد تفرقهما، ويحتمل أنه أراد البيع الذي شرطا فيه أن لا يكون بينهما فيه خيار فيلزم بمجرد العقد من غير تفرق. اهـ
وعلى المعنى الثاني حمل الإمام الشوكاني الحديث. جاء في النيل: إلا أن تكون صفقة خيار: المراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه اختر إمضاء البيع أو فسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا. اهـ
وجاء في نهاية المحتاج حملا للحديث على المعنى الأول ما يلي: قوله: إلا أن تكون صفقة خيار أي فإن تفرقا انقطع الخيار إلان أن تكون صفقة خيار أي بأن شرطاه. اهـ.
ومثاله: أن يشتري شخص سلعة غائبة مثلا، ويشترط فيها خيار الرؤية، أو يشتري سلعة حاضرة ويشترط فيها خيارا.
وأما قوله: ولا يحل له. فاختلف في معناه والذي نختاره أن المقصود بقوله:" خشية أن يستقيله" أي خشية أن يفسخ صاحبه البيع في المجلس.
جاء في مطالب أولي النهى: وتحرم الفرقة خشية الاستقالة أي خشية أن يفسخ صاحبه البيع في المجلس وذكر الحديث... وما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا اشترى شيئا... محمول على أنه لم يبلغه الخبر أو على إلزام نفسه حتى لا تراوده بالرد لا على منع غيره من الاستقالة وهذا أولى. اهـ
وذهب آخرون إلى أن قوله: لا يحل. محمول على الكراهة.
وجاء في سبل السلام: وأما قوله: أن يستقيله. فالمراد به الفسخ لأنه لو أريد الاستقالة حقيقة لم يكن للمفارقة معنى فتعين حملها على الفسخ وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره من العلماء فقالوا معناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام. وأما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع رجلا فأراد أن يتم بيعته قام يمشي فإنه محمول على أن ابن عمر لم يبلغه النهي. اهـ
وهناك من أهل العلم من استدل بهذا الحديث على نفي خيار المجلس ونوقش هذا الاستدلال من قبل كما جاء في نيل الأوطار، يقول الشوكاني في رده على القائلين بنفي خيار المجلس: واستدلوا بهذا الحديث فقالوا لو كان العاقدان يملكان خيار المجلس لما كانت هناك حاجة إلى طلب الإقالة. ثم قال: الحديث حجة عليهم لا لهم، ومعناه لا يحل له أن يفارق بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما البيع. اهـ
والله أعلم.