عنوان الفتوى : حكم بقاء المسلمة في عصمة الكافر
هل يجوز أن تمكث المرأة المسلمة عند الكافر؟
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فيحرم على المرأة المسلمة الخلوة بالرجل الأجنبي عنها ، ولو كانت الخلوة لعبادة كالصلاة ، وقراءة القرآن ونحوهما. لما في ذلك من المفاسد الكبيرة ، منها حضور الشيطان ووسوسته لهما ، وسعيه لإيقاعهما في المعصية. وقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة محرمة لذلك. ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال:" الحمو الموت" وما روياه أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" وما رواه أحمد والحاكم أن رسول الله صلى الله قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم ، فإن ثالثهما الشيطان". وإذا كان هذا في مجرد خلوة قد تكون عابرة ، فإن سكن المسلمة مع الأجنبي عنها أولى بالتحريم ، بل إن السكن يكون محرماً ، -وإن كان معها محرم- إذا لم يكن السكن واسعاً بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر. قال زكريا الأنصاري: " عُلِم جواز خلوة الرجل بالأجنبية مع المحرم ، وامتناع مساكنته إياها معه ، إلا عند تعدد الحجر ، أو اتساعها بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر" انتهى.
فإذا كان سكنها مستقلاً عن سكن الأجنبي وإن لاصقه فلا حرج في ذلك ، لكن بشرط عدم اتحاد المرافق بينهما ، كالممر والمطبخ أو الخلاء ونحو ذلك ، قال ابن حجر الهيثمي : " فإذا سكنت المرأة مع أجنبي في حجرتين ، أو في علو وسفل ، أو دار وحجرة ، اشترط أن لا يتحدا في مرفق ، كمطبخ ، أو خلاء ، أو بئر ، أو ممر ، أو سطح ،أو مصعد ، فإن اتحدا في واحد مما ذكر حرمت المساكنة ، لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة ، وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد ، أو أغلق لكن ممر أحدهما على الآخر ، أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر " انتهى.
وإذا كانت المسلمة يحرم عليها الخلوة بالمسلم الأجنبي عنها ، وكذلك مساكنته إلا بما ذكر ، فكيف بالكافر؟! فلا شك أن الخلوة به ومساكنته أعظم حرمة ، وأكبر جرماً ، إلا إذا كان هذا الكافر محرماً لها من جهة النسب ، فيجوز لها ذلك ، لكن لا ولاية له عليها ، هذا إذا كان القصد من السؤال هو ما ذكرناه.
أما إذا كان القصد منه هو بقاء المرأة بعد إسلامها مع زوجها الباقي على كفره ، فالجواب هو: أنه إن كان إسلامها قبله وقبل أن يدخل بها تعجلت الفرقة ، سواء كان زوجها كتابياً أو كان غير كتابي. إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. قال ابن المنذر : "أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، وإن كان إسلامها بعد أن دخل بها ، فقال أبو حنيفة ومالك: عرض الإسلام عليه فإن أبى وقعت الفرقة. وقال أبو حنيفة: إن كانا في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها.
أما الشافعي وأحمد فيوقعان الفرقة بمجرد إسلامها.
ولا نعلم أحداً من أهل العلم أجاز أن تبقى المرأة المسلمة في عصمة الكافر.
والله أعلم.