أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : نوبات هرع وقلق وتسارع في نبضات القلب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود الاستشارة بخصوص أخت لي في الله تعاني منذ ما يزيد على العام من أعراض عديدة وحالتها تزداد سوء يوماً بعد يوم.تبلغ من العمر 24 عاماً، لديها طفلان، ولد عمره عامين، وطفلة 4 أشهر تقريباً.
قبل ما يقارب العامين مرض والدها بمرض خطير جداً، هو مرض التصلب الضموري العضلي الجانبي (Als) أذكر أنها حزنت حزناً شديداً، وخصوصاً أن الأطباء أكدوا عدم وجود علاج لهذا المرض والله هو الشافي وأن المرض يفقد المريض كل خصائصه الجسمية، وفعلاً الأب الآن لا يستطيع أن يحرك أي شيء في جسمه حتى لا يستطيع الكلام ولا الأكل، وقد تم فتح ثقب في الرقبة وآخر في المعدة من أجل الطعام.
الذي حدث أن صديقتي كانت دائمة الدعاء والبكاء، وفي أثناء فترة الحمل أصيبت بأعراض أشبه ما تكون بنوبات الفزع، فهي تشعر بأن نبضات قلبها تدق بسرعة شديدة ويحمر وجهها كثيراً، وتقول أنها تشعر أن صوت نبضات قلبها تدوي في الغرفة، ويحدث ذلك عندما يخرج زوجها من المنزل، فتتصل به وتجبره على العودة إلى المنزل، وبعد الولادة ازدادت حالتها سوءاً، تقول أنها تشعر أن ليس لديها قدرة على أن تقوم بأي عمل مهما كان بسيطاً، ولديها إحساس أو وساوس أنها مريضة فهي تشعر بألم في المعدة وكذلك كأن رأسها ثقيل جداً، كل يوم تذهب لعمل فحص دم بول صورة طبقية، لا تستطيع العناية بأطفالها، قيل لها: إن عندها جرثومة في المعدة وقد تحدثت مع زوجها وقال لي: إن الوضع لم يعد يحتمل فهي تسكن في فلسطين والأوضاع المادية لا تساعد على تكاليف الأطباء، وهي مصممة على إجراء كل فحص تسمع عنه، وغير مقتنعة أنها تعاني من أعراض منشؤها نفسي، تقول: لابد أنني أعاني من مرض، وتبكي كيف سيعيش أبنائي من بعدي، أردت أن أقترح عليها بعض الأدوية التي تساعد على التخفيف من الوساوس، ولكني خفت أن لا تحسن استعمالها لأنه يبدو لي أن إرادتها ضعيفة نوعاً ما فقد حدثتها ووعدتني أنها إن عملت صورة طبقية لن تشكو بعدها من شيء، وبعدما أكدت الصورة أنها سليمة بدأت تطلب عمل تنظير للمعدة للتأكد من عدم وجود أمراض خبيثة. كما أن زوجها أخبرني أنها لا تتناول الأدوية التي تعطى لها من الأطباء إلا يوماً أو يومين وتترك، كما أنها تسكن في قرية وليس فيها أطباء نفسيين، ناهيك عما ستعانيه إن علم أنها تراجع طبيباً نفسياً، فقد أخبرني زوجها وهو مستاء أن الجيران والأهل إذا رأوهم خرجوا من البيت يسألون: إلى أي طبيب أنتم ذاهبون؟
كما أنني أعلم أهمية الدعم الاجتماعي في مثل هذه المواقف، ولكن للأسف الأم مشغولة جداً بالأب المريض، والأخوات يتناوبن الليل كله بجانب الوالد لعله يحتاج شيئاً وليس لديه صوت لينادي. والزوج قدم كل ما استطاعه ولكن دون جدوى، وأنا أسكن في دولة أخرى بعيدة عنها جداً.
الإخوة الأعزاء! أنا أريد أن أرسل بردكم على هذه الاستشارة لصديقتي، وفي الحقيقة أنا لا أريد أن أجزم أن مشكلتها نفسية لأنها لا تريد ذلك، فهي تقول: هي ليست بوساوس لأنها تشعر بألم في المعدة والرأس، وأكثر من ذلك ليس لديها قوة جسدية تمكنها من القيام بالأعمال اليومية الاعتيادية. هي دوماً متعبة. أرجو منكم تقديم رأيكم في هذه الحالة وتقديم الخطوات التي عليها أن تتبعها لتتخلص مما هي فيه وكذلك نصيحة لأهلها وزوجها وبارك الله فيكم وفي جهودكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجزاك الله خيراً على اهتمامك بأمر هذه الأخت التي نسأل الله تعالى لها الشفاء والعافية، وكذلك ندعو لوالدها أيضاً بالشفاء والعافية الذي يعاني بالطبع من علة شديدة، وهذا تلف في الأعصاب معروف، وقد وصلت حالته لمرحلة متقدمة، فنسأل الله تعالى أن يعافيه ويشفيه وأن يقدر له ما هو خير.
بالنسبة لهذه الأخت فإن الوصف الذي ورد في رسالتك هو وصف واضح جدّاً لحالتها والتي هي حالة نفسية مائة بالمائة، فالنوبات التي تنتابها من خوف وقلق وسرعة في نبضات القلب وشعور كأن مصيبة سوف تقع أو كأن المنية سوف تأتي، فإن هذه علة نفسية معروفة تعرف بـ (نوبات الرهاب أو الهرع)، وهو نوع من القلق النفسي الحاد، وهو مخيف ومفزع ولكنه بالطبع ليس خطيراً.
هذه الأخت لها جانب آخر وهو المخاوف العامة والأعراض النفسوجسدية، حيث أن لديها أعراضاً جسدية كثيرة خاصة في الجهاز الهضمي، ويعرف تماماً أن الجهاز الهضمي هو أكثر الأجهزة التي تتأثر بالقلق النفسي.
أتفق معك تماماً أن مثل هؤلاء المرضى ليس بالسهل إقناعهم بأن علتهم هي علة نفسية في المقام الأول، وحتى لو اقتنعوا فإنهم يقتنعون لفترة قصيرة ثم بعد ذلك تجدهم يذهبون من طبيب إلى طبيب، وهذا أيضاً يمثل مشكلة اجتماعية وطبية ونفسية ومالية في نفس الوقت.
نحن بالطبع نتعاطف جدّاً مع هذه الأسرة – معها ومع زوجها ووالدتها وكل من حولها – ولابد أن نساند زوجها؛ لأنه هو المساند الرئيسي لها، والذي أرجوه هو أن يوضح لهذه السيدة الفاضلة أن الذي تعاني منه هو ظاهرة نفسية وليس مرضاً نفسياً، فالذي تعاني منه يعرف بـ (الحالات النفسوجسدية) أي أن القلق النفسي البسيط الذي لديها هو الذي سبب لها هذه الأعراض الجسدية الكثيرة، وأفقدها الدافعية وأفقدها طاقاتها النفسية وكذلك طاقاتها الجسدية مما جعلها لا تكون فعالة في واجباتها الاجتماعية أو واجباتها الأسرية.
إذن النقطة الأولى هو أن يُشرح لهذه السيدة بلغة مبسطة، ولغة معقولة، وألا نتهمها أو نقول لها بأنك مريضة نفسية، فهي حقاً ليست مريضة مرضاً نفسياً حقيقياً، ولكنها ظاهرة نفسية وهي ظاهرة مزعجة، وبعد ذلك أعتقد أن قناعاتها لو تحسنت وأصبحت أكثر اقتناعاً ربما تتقبل العلاج النفسي، والعلاج النفسي في هذه الحالة هي الأدوية النفسية، وحتى لا نثقل عليها وعلى من حولها أنصحها باستعمال عقار يعرف تجارياً (سبرالكسCipralex) ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، وهو من الأدوية الجيدة والفعالة جدّاً لعلاج مثل هذه الحالات، وجرعته في البداية هي عشرة مليجرام ليلاً تتناولها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى عشرين مليجراما ليلاً وتستمر عليها لمدة ثمانية أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى عشرة مليجرام ليلاً وتستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى، وبذلك نكون قد وصفنا لها جرعة البداية والجرعة العلاجية ومن ثم جرعة الاستمرار أو ما يسمى بـالجرعة الوقائية.
لابد لها بالطبع أن تتناول الدواء بانتظام، ولن تشعر بفوائده الحقيقية قبل ثلاثة أشهر من بداية العلاج، فإن هذا لابد أن يوضح لها.
سيكون أيضاً من المفيد لها إذا مارست أي نوع من التمارين الرياضية، ربما لا يكون ذلك متيسراً، ولكن المشي هو من الأسس الرياضية الضرورية والمفيدة في مثل هذه الحالات.
يبقى هنالك أمر ضروري جدّاً وهو ألا تتردد هذه السيدة على الأطباء، فلابد من إقناعها بأي وسيلة ألا تتردد على الأطباء، أو يمكن الاتفاق مع طبيب واحد تذهب إليه مرة كل ثلاثة أشهر أو مرة كل ستة أشهر، وذلك من أجل إجراء فحوصات عامة وحتى تطمئن.
وأنا على ثقة كاملة إذا تناولت العلاج النفسي والذي هو علاج سليم جدّاً سوف يساعد كثيراً في إزالة كل أعراض القلق والرهاب والهرع والوساوس والمخاوف وعسر المزاج الذي ينتاب هذه السيدة.
لا شك أن الدعم الاجتماعي مطلوب – كما تفضلتِ – ولابد لهذه السيدة أيضاً أن تستشعر مسئولياتها حيال نفسها وحيال زوجها وأسرتها.
نحن في بعض الأحيان ننصح الزوج بأن يبتعد قليلاً أو أن يتخذ موقفاً، ولا نقول هو نفسه يدعي المرض، ولكن يظهر أنه محاصر بالمشاكل التي لا يستطيع معها أن يقدم الكثير للزوجة، فإن هذا منهج ينتهجه بعض الأطباء، ولكنه ربما لا يكون مقبولاً، أي بمعنى أن يُشجع الزوج نفسه بأن يقف الموقف المرضي، وهذا يسمى باللغة الإنجليزية بـ (Sick role)، وهذا الدور أو الدور المرضي يجعل الآخرين يتحملون مسئولياتهم بصورة أفضل، فلا أعتقد أن هذا الأخ الكريم – زوج هذه الأخت – يستطيع أن يقوم بهذا الدور، لأني أعرف أن طبيعة الأسرة العربية المسلمة فهي دائماً متآزرة ودائماً مساندة ودائماً يتوقع من الزوج أن يقدم أكثر.
وعموماً أقل شيء مطلوب منه هو ألا يستجيب لكل شكوى، وأن يبتعد تماماً عن كل تردد على الأطباء بقدر المستطاع، وحين تكون هذه السيدة في وضع أفضل أو حين تقوم بأي عمل إيجابي فلابد أن تُشجع ولابد أن تحفز ولابد أن تكافأ، حتى بالكلمة الطيبة، وهذه الأنواع من التشجيع ومن الدعم الاجتماعي والدعم النفسي لها وقعها الجميل جدّاً؛ لأن هنالك نظرية تقول أن مثل هؤلاء الناس هم في الأصل يبحثون عن من يطمئنهم ويقدم لهم المزيد من العطف والمزيد من الانتباه ويحاولون دائماً لفت النظر إليهم.
وهذا بالطبع لا يعتبر نوعاً من التمثيل ولا يعتبر نوعاً من التصنع، إنما هي إرادة نفسية مخالفة أو منحرفة – كما يقول البعض - وعموماً هذه تفاصيل ربما لا تكون هنالك حاجة لها، فإن الأمور الأساسية أن هذه السيدة تعاني من علة نفسوجسدية، والدواء - إن شاء الله تعالى – سوف يفيدها كثيراً، ونحاول أن نوقفها من التردد على الأطباء بقدر المستطاع، وأن نقدم لها الدعم والمساندة النفسية بقدر المستطاع، ولابد أن يتم تجاهل بعض شكواها بقدر المستطاع أيضاً.
- جزاك الله خيراً وبارك الله فيك على أمر اهتمامك بها، وأسأل الله لها الشفاء والعافية، وكل عام وأنتم بخير.
وبالله التوفيق.
للمزيد من الفائدة يرجى مراجعة هذه الاستشارات:
السنة النبوية لعلاج الأمراض النفسية: ( 272641 - 265121 - 267206 - 265003 )
كيفية الرقية للتخلص من المس: (237993- 236492-247326)
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
كيف أعود إلى حياتي الطبيعية وأتخلص من الهلع؟ | 1680 | الأحد 16-08-2020 02:03 صـ |
ما هي أدوية نوبات الهلع والخوف الآمنة وغير الإدمانية؟ | 8850 | الأربعاء 12-08-2020 03:54 صـ |
الأعراض التي تعاني منها زوجتي نفسية أم جسدية؟ | 1200 | الأحد 09-08-2020 05:24 صـ |
أعاني من ضيق التنفس وحالتي تشتد بالليل.. هل حالتي نفسية؟ | 1770 | الأحد 09-08-2020 04:31 صـ |
عاد إلي القلق وانتكست حالتي فهل من علاج بديل؟ | 3910 | الأربعاء 29-07-2020 05:58 صـ |