أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : أخاف من فقد أمي وأقاربي وأريد أن أرجع إنسانة سعيدة.. فما الحيلة؟

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

السلام عليكم ورحمة الله

بداية -أخي الكريم- جزاك الله خيرا، وفرج الله همك كما فرجت عن إخواننا الذين يراسلونك، فقد اطلعت على أغلب المواضيع لأجد تفسيرا لحالتي، لكني للأسف لم أصل لنتيجة، ووجدتك قد رددت عليهم بردود شافية، أسأل الله أن يثيبك.

دكتورنا الفاضل: أنا فتاة أبلغ من العمر 24 سنة، أصغر إخواني وأخواتي، خريجة جامعية -ولله الحمد-.

أعاني منذ صغري من تعلقي الشديد بأمي، فأنا أنام معها وأذهب معها إلى كل مكان، ولا أنفصل عنها في الغالب، وإذا ذهبت وحدها تجدني ضيقة وقلقة خوفاً أن يحدث لها مكروه.

كبرت وأنا أعاني من هذه المشكلة؛ قد يكون ليتمي دور في ذلك، فقد فقدت والدي وعمري 6 سنوات -اللهم اغفر له وارحمه-.

قبل شهرين أو ثلاثة بدأت عندي مشكلة أخرى وهي: الخوف الشديد من فقدان أمي، أصبحت أفكر بها إذا توفيت كيف سيكون حالها؟ وأتخيلها في القبر، وأتخيل البيت بدونها، وكيف سيكون حالي؟ ... إلخ.

أفكار ضيقت علي الدنيا، أصبحت مكتئبة، قليلة الكلام، حساسة، ولا أريد أن أتركها وحدها، لدرجة أني الآن في سن زواج، وأحيانا أقول: لن أتزوج؛ حتى لا أتركها وحدها ثم أقول: يجب أن أتزوج حتى يخف تعلقي بها، ثم أرفض الفكرة وهكذا.

والله إني أبكي بكاءً شديداً وأقف أمام غرفتها، وهي نائمة وأستمع لها هل هي تتنفس أم لا؟ تعبت -والله العظيم- تعبت جدا، تطورت الحالة، بدأت أقلق على إخواني وأخواتي وأبنائهم بالإضافة إلى أمي، أصبحت أفكر من سيموت أولا منهم؟ أنظر إليهم واحدا تلو الآخر، وكأني سأفقده بعد قليل! حتى إذا اجتمعنا وجلسنا سوية أفكر وأقول: ربما الاجتماع القادم أحدهم لن يكون حاضرا، أصبح الموت هاجسا مخيفا عندي، لا أريد أن أسمع أن فلانا مات، أو أسمع قصصا حزينة، أو حتى أشاهد دراما حزينة، وأيضا كبر السن فأنا لا أريد أن أسمع أمي تشتكي من كبرها، أو تقول: إنها كبيرة؛ لأن هذا يتعبني جدا.

كذلك الذكريات واسترجاع الماضي يتعبني جدا، فأنا لا أريد لأمي أو لأحد من أقربائي أن يسترجع الماضي حتى لا يحزن ويحزنني معه، ما يؤلمني أكثر أني كلما حاولت أقنع نفسي بأن أعيش يومي، ولا أحمل هم الغد؛ وأن الموت حقيقة لا مفر منها.

كرهت حياتي -والله العظيم- يا دكتور أنا حتى إذا أحسست أن أحدهم متضايق وصامت يضيق صدري لأجله، وأيضا فكرت إن كتب الله وتزوجت فلن أنجب أطفال حتى لا أقلق عليهم، أصبحت شهيتي للطعام قليلة، أصبحت دائمة التفكير بما ذكرته بالأعلى، يؤلمني بطني كثيرا، وأشعر بمغص، ودائما أكون صامتة، كثيرة البكاء فالعبرة لا تكاد تفارقني.

أيضا فقدت رغبتي في الخروج والسفر، لكني أضغط على نفسي وأخرج، ومع ذلك أكون على أعصابي حتى أرجع للمنزل، وأصبحت قليلة النوم، فقدت متعتي وحبي لكثير من الأشياء، وكل من يراني يقول: إني مريضة وشاحبة اللون، وأيضا لا أريد أن أترك أمي لوحدها في أي وقت، وأصبحت مطيعة جدا، ويؤنبني ضميري على بعض تصرفاتي الماضية تجاهها.

وانتابتني رغبة شديدة بـأن نعيش أنا وإخواني وأخواتي في بيت واحد، لكن هذا مستحيل، فأصبحت أتمنى أن تتطلق إحدى أخواتي حتى تعيش معنا، ولا تشعر أمي بالوحدة، وحتى أضمن وجود أحد بجانبي، أعلم أني مخطئة في هذا التمني، ولكن.

ونفس الحالة مع إخواني وأخواتي وأبنائهم، فأنا أخاف أن أفقدهم، ولكن ذلك أهون بكثير من أمي.

يا دكتور: لا أريد أن أستسلم لهذه الأفكار، فأنا أعلم أنها من الشيطان، وها أنا أدحره بذكر الله، وتحصين نفسي بالأذكار، وقراءة القرآن، والصلاة والتوبة عما مضى من ذنوب، ولكن أنا لا زلت أفكر بنفس الأفكار، بل أصبحت أمام عيني مهما حاولت فأمي كبيرة في السن، والموت حق.

بماذا تنصحني -يا دكتور- هل أذهب لطبيب نفسي؟ لكن أخاف أن يكتب لي دواء، فلا أستفيد أو أستفيد فلا أستطيع الاستغناء عنه، وإن استغنيت عنه وتشافيت ربما بعد فترة ترجع لي نفس الأفكار، لهذا أنا لا أريد أن أعتمد على علاج معين، وأريد أن أعالج نفسي بنفسي.

وهناك نقطة مهمة أريدك أن تتكرم بالإجابة عليها، كيف لدواء محسوس أن يعالج شيئا نفسيا غير محسوس.

أنا أريد أن أرجع كما كنت إنسانة مبتهجة سعيدة، أستمتع بيومي، ولا أحمل هم شيء.

أعذرني أخي على الإطالة.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ترف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأنت تعيشين حالة وجدانية فعلاً بدأت بما يمكن أن نسميه بقلق الفراق، والشيء الذي أريد أن أوضحه لك ومنذ البداية هو: أن تعلقك بوالدتك كان يُقابله تعلق والدتك بك، هنالك تبادل وجداني واضح جدًّا، لذا حدث هذا التمكين والالتصاق الوجداني الشديد.

لا شك أن وفاة والدك -عليه رحمة الله تعالى– دفعت أمك دفعًا قويًّا لئن تقوم بنوع من الرعاية التعويضية لفقدان والدك، وهذا جعل والدتك أكثر حماية لك والتصاقًا بك، وأنت انتهجت نفس المنهج.

فإذن الذي يحدث لك الآن من تواصل وجداني غير مريح لست أنت الطرف الوحيد فيه، والدتك أيضًا طرف أكيد وأصيل فيه.

هذه الحالات -أيتها الفاضلة الكريمة– تعالج من خلال إبداء المشاعر والتحدث عنها وليس كتمانها، تحدثي مع والدتك عن مشاعرك، قولي لها: إني أخاف عليك خوفًا شديدًا، وأعرف مدى حبك لي، وقد نُصحت من جانب الطبيب أن أتحدث حول هذا الأمر؛ لأن مجرد التفريغ النفسي والحديث في هذا الموضوع سيكون له آثار علاجية إيجابية كبيرة جدًّا عليك وعلى والدتك.

إذن الحديث، النقاش، الحوار، الفضفضة، التفريغ النفسي مهمة جدًّا لخلخلة هذه المشاعر.

مشاعرك ليست كلها سيئة، على العكس فيها جوانب إيجابية جدًّا، فالتعلق الوجداني لا شك أنه دليل على الرحمة، لكن يجب أن تتفهمي أن هذا التعلق لا يخلو من مظاهر مرضية.

فرغي عن نفسك من خلال الحديث، والحديث الوسيلة التي تؤصل المشاعر الإيجابية، وتزيل المشاعر السلبية، خاصة في موضوع العلاقات الإنسانية.

أمر آخر مهم جدًّا، هو: أن تستبدلي آرائك السلبية حول المستقبل بآراء إيجابية، فكّري في الزواج، فكّري في أن تكوني أمًّا، وأن تسعدي نفسك، وأن تسعدي زوجك، أن يكون لك وجود حقيقي في العناية بإخوتك، وقطعًا أنت بارة بوالديك، أكثري الدعاء لوالدك، وأكثري من الدعاء لوالدتك، لا بد أن تكون هنالك صورة ذهنية إيجابية مرسومة أمامك وتتخذي الخطوات الصحيحة للوصول لهذه الأهداف.

أنت الآن حاصرت نفسك في هذه البوتقة الوجدانية التي جمعتك بوالدتك وجدانيًا لدرجة الانصهار والتوحّد، وقطعًا هذا -كما ذكرت لك– يجب أن يُكسر من خلال المزيد من الحديث حول هذا الموضوع، وأن تخضعي الموضوع للمنطق، مثلاً: تفقدك لوالدتك حين تكون نائمة، هذا الأمر يجب أن تتوقفي عنه تمامًا؛ لأنك بمثل هذا الفعل تدعمين هذا الانجذاب الوجداني السلبي.

اتخذي هذه الخطوات، وأنا متأكد أن حديثك مع والدتك سوف يكون فيه خير كثير جدًّا بالنسبة لك.

بالنسبة لموضوع العلاجات الدوائية: نعم الدواء يفيد في حالة المخاوف؛ لأن الأصل فيما يخص أسباب الحالات النفسية أيًّا كانت تكون هنالك عوامل بيولوجية، وتكون هنالك عوامل نفسية، وعوامل اجتماعية، وعوامل متعلقة بالشخصية، مثلاً: يمكن أن يكون إنسان في نفس وضعك هذا لكن لا يتأثر مثل هذا التأثر، ما هو التفسير لذلك؟ التفسير لذلك أن لديك استعدادًا بيولوجيًا فطريًا غريزيًا ليحدث لك ما قد حدث، ولم يحدث للشخص الثاني، بالرغم من أن ظروفه الحياتية مطابقة لك تمامًا، لكنه ليس عنده التهيؤ البيولوجي، أو ما نسميه بالعوامل المرسبة، والتهيؤات البيولوجية تعتمد كثيرًا على كيمياء الدماغ، على التركيبة الجينية للإنسان، لذا الأدوية لها فائدة، وقطعًا القلق والتوتر يعتمد أيضًا على مسارات كيميائية داخل دماغ الإنسان.

فالدواء يفيد من خلال هذه الآليات، لكن أن تبني قناعات شخصية هذا أيضًا مهم ومهم جدًّا، والدواء قطعًا سوف يُمهد لك التعامل مع الأمر بأكثر عقلانية ومنطقًا؛ لأن الدواء يخفف القلق، يخفف التوتر، وهذا في حد ذاته يجعلك أكثر تحضيرًا وقابلية لأن تنظري للأمور بصورة مخالفة.

إذن اذهبي وقابلي الطبيب النفسي، وأنا متأكد أن أيا من الأدوية المضادة للمخاوف والوساوس والقلق سوف تساعدك كثيرًا.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
هل كان لنا الاختيار في مسألة خلقنا؟ 894 الأحد 12-07-2020 07:37 صـ
لا أرغب في الحياة بسبب مشاكلنا الأسرية. 1286 الأحد 12-07-2020 07:22 صـ
أصبحت أكره أخي لما يسببه من مشاكل، فماذا أفعل؟ 1185 الثلاثاء 07-07-2020 05:15 صـ
أريد التوقف عن تقليد الآخرين، أريد أن أكون أنا! 1107 الأحد 28-06-2020 09:28 مـ
كيف أتخلص من أمراض القلوب، وأقوي ثقتي بنفسي؟ 1493 السبت 27-06-2020 09:20 مـ