أرشيف المقالات

نصائح وتوجيهات لمن أراد النجاة والتخلص من آفات اللسان

مدة قراءة المادة : 33 دقائق .
نصائح وتوجيهات
لمَن أراد النجاة والتخلُّص من آفات اللسان


(1) مجاهدة النفس في إصلاح اللسان، والعزيمة على إرادة التغيير:
على الإنسان المُبتَلى بهذه الآفات السابقِ ذِكرُها أو ببعضِها - أن يُجاهد نفسه لتركها، ويسعى للتخلص منها؛ قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78].
 
فمِن سُنَّة الجهاد البُداءَة بالعدو الأقربَ فالأقرب، والنفسُ الأمَّارة بالسوء بين جنبَيِ الإنسان هي أقربُ أعدائه إليه، فليبدأ بمجاهدتها وقمعِها، خصوصًا وأنها التي تأمر اللسان بالغيبة والنميمة، والجدل والمراء، والكذبِ والخوض في الفتن...
وغير ذلك من آفاتِ اللسان.
 
• وقد أخرج الإمام أحمدُ والترمذي عن فَضَالةَ بنِ عُبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المجاهدُ مَن جاهد نفسَه في طاعة الله عز وجل))؛ (الصحيحة: 549).
 
• وأخرج أبو نُعيم في "الحِلية" (2/ 249) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل))؛ (الصحيحة: 1496).
 
• وأخرج الطبراني في "الكبير" من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل المؤمنين إسلامًا: مَن سَلِم المسلمون مِن لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وأفضل المهاجرين مَن هجَرَ ما نهى الله تعالى عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل))؛ (الصحيحة: 1491).
 
• وكان أبو حازم رحمه الله يقول: "قاتِلْ هَواك أشدَّ ممَّا تُقاتل عدوَّك"؛ (الحلية: 3/ 231).
• ويقول محمد بن المنكدر رحمه الله: "كابدتُ نفسي أربعين سنَةً حتى استقامَت"؛ (صفة الصفوة: 2/ 121).
 
• واللِّسان مَجْمَع الأهواء، وجهادُه من أشقِّ الجهاد، وجهاد النفس أصعب من جهاد البدن؛ لأن البدن مأمور، والنفس أمارة بالسوء.
اهـ بتصرف؛ (بصائرُ في الفتن للمقدَّم حفظه الله: صـ 76).
 
لكن إن كانت هناك إرادة وعزيمة قوية على تقويم هذا اللِّسان، وحبسه عن اللغو والهذيان، فالله تعالى يوفِّق مَن كان هذا حالُه، فالله تعالى يقول عن المنافقين: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46]،  فلو كان لهم رغبةٌ في الخروج لأعَدُّوا العُدة لذلك، ولكن اطلع الله على قلوبهم فعلم أنهم غيرُ عازمين على الخروج؛ فثبَّطهم، وقيل: اقعدوا مع القاعدين.
 
فتأتي الإرادةُ أولاً، فلو كان الإنسان صِدْقًا يُريد تقويم هذا اللسان؛ لأخذ بالأسباب، وسعى بكل الإمكان للتغيير والوصول إلى أفضل حال؛ فإنه لا يُتصور ذلك التَّغيير لإنسانٍ لم يأخذ بالأسباب، ثم يقول: "أنا أريد ولكن لا أُوَفَّق".
 
لا بد أن نعلم أن الطباع قابلةٌ بالمجاهدة أن تُقَوَّم؛ ولذا جاءت الشرائع تأمر بالفضائل، وتَنهى عن الرذائل، فلْيُجاهِدْ كلٌّ منَّا نفسه على تقويم لسانه، وتطهيره من الآفات التي سبق ذكرها؛ فإن استقامة اللسان ركن ركين من أركان استقامة سائر الأعضاء.
 
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبَح ابنُ آدم؛ فإن الأعضاء كلَّها تُكفِّر اللسان [1]، فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا))؛ (صحيح الجامع: 351).
 
(2) قراءة سير السلف الصالح:
يقول الشيخ الشِّنقيطي رحمه الله في شريط له بعنوان "عدة الداعية":
"أوصيك بكثرة قراءة سِيَر السلف الصالح؛ فإنك ما أُصبتَ بضعفٍ أو فتور في طلب العلم، فتقرأ سيرة عالم؛ إلا خشَع قلبك، وصدَقَت عزيمتك، وأحببتَ أن تكون مثلَه؛ لأنَّ الله جبَلَ قلوبَ أهل الخير على حب الخير والشــوق إليه، فإذا قرأتَ سيرة العــالم العــامل تأثَّرت..."، ثم قال: "وقراءة مواقف العلماء الصادقين تُسلِّي وتقوِّي العزيمة، كما قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120].
 
قال العلماء: "فيه دليلٌ على أن القصص تُثبِّت القلوب، فإذا أحسَّ طالبُ العلم أن قلبه يُريد أن يَضعُف ثبَّته بسِيَر الصالحين، وسير العلماء العاملين، الأئمة المهديين؛ فزاده ذلك عزيمة على الخير، وثباتًا على الخير".
 
ثم قال الشيخ رحمه الله: "ومن الأمور التي تُعين على حفظ اللسان: قراءة سير السلف الصالح - رحمة الله عليهم - ففيها النماذج الكريمة التي تُحيي في الأنفس الاشتغال بما يَعني عما لا يَعني".
اهـ.
 
(3) عدم الإكثار من مخالطة الناس:
من الملاحظ أن كثير من الآفات السابقة كانت نتيجة مخالطة الناس، وخصوصًا أهل الفساد منهم، فعلى مَن أراد النَّجاة أن يُصاحب الأخيار، ويبتعد عن الأشرار.
 
• وقد أخرج أبو داود والترمذيُّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرجلُ على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالل)).
 
• وأخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير إما أن يَحرق ثيابك وإما أن تجد ريحًا خبيثة)).
 
قال الإمام النوويُّ رحمه الله في شرح هذا الحديث: "فيه فضيلةُ مجالسة الصالحين، وأهل الخير والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهيُ عن مجالسة أهل الشر، وأهل البدع، ومَن يغتاب الناس، أو يكثر فجرُه وبطالته...
ونحو ذلك من الأنواع المذمومة"؛ (شرح النووي على مسلم: 5/ 484).
 
فعلى الإنسان أن يتحرَّى غايةَ جهدِه مُصاحبة الأخيار ومجالستَهم، وأن يتجنَّب مجالسة الأشرار؛ لأنه لا يأمَن غائلتَهم، والطبع يَسرق مِن الطبع وهو لا يَدري، وكما قيل: "الصاحب ساحب"، فصُحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشَّر؛ كالرِّيح إذا مرَّت على النتن حملَت نتنًا، وإذا مرَّت على الطيب حملت طيبًا، وقيل: "لا تصحَبِ الفاجر؛ فإنه يُزيِّن لك فعله، ويودُّ لك أنك مثله".
 
ولَمَّا كان الدفعُ أسهلَ من الرَّفع، والوقاية خيرًا من العلاج، أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضيلة لزوم الإنسان بيته؛ اتقاءً لآفات اللسان، واحترازًا من الغيبة والنميمة، والجدلِ والسِّعاية...
وغير ذلك.
 
• فقد أخرج ابن حبان والطبراني في "الكبير" والحاكم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((...
ومَن جلس في بيته لم يغتب إنسانًا كان ضامنًا[2] على الله)
)
.
 
• وأخرج الإمام أحمد والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس في مجلسٍ، فقال: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟)) فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((رجلٌ آخِذٌ برأس فرسه في سبيل الله حتى عُقرَتْ أو يُقْتَل، فأُخبركم بالذي يليه؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((امرؤٌ معتزل في شِعْب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس)).
 
• وجاء في "كتاب الزهد" لابن أبي عاصم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "ما لي وللناس! وقد تركت لهم بيضاءهم وصفراءهم؟!".
 
♦ وكما قيل:

لقاء الناس ليس يُفيد شيئًا
سِوى الهذيانِ مِن قيلٍ وقالِ

فأقلِلْ مِن لقاء الناس إلاَّ
لأخذِ العلم أو إصلاح حالِ

(وفَيَات الأعيان: 4/ 283).
 
• وقال الشافعي رحمه الله: "الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكُن بين المنقبض والمنبسط"؛ (صفوة الصفوة: 2/ 253).
• وقال شَقيقٌ البلخي: "اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها، واحذر أن تحرقك"؛ (صفة الصفوة: 4/ 160)
• وقال عبدالله بن داود: "مَن أمكن الناسَ مِن كل ما يريدون، أضَرُّوا بدينه ودنياه"؛ (سير أعلام النبلاء: 9/ 349).
ولذلك قيل: "علامةُ المريد قطيعة كل خليط، لا يريد ما تريد".
 
• وقال إبراهيم بن أدهم: "مَن أراد التوبة فليَخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس، وإلا لم يَنلْ ما يريد"؛ (سير أعلام النبلاء: 7/ 389).
 
♦ وعن بشر بن الحارث قال: قال سفيان الثوري:
"وددتُ أني إذا جلست لكم أقوم كما أقعد، لا عليَّ، ولا ليّ"؛ (الحلية: 7/ 63).
 
• وعن زياد بن حديد قال: "لوددتُ أني في حيِّزٍ من حديد، ومعي ما يُصلحني، لا أكلم الناس، ولا يكلِّموني، حتى ألقى الله تبارك وتعالى"؛ (الحلية: 4/ 197)، (الزهد لابن أبي عاصم: صـ 42).
 
• وعن محمد بن واسع قال: رأيت صفوان بن مُحْرِز في المسجد، وقريبًا منه ناسٌ يتَجادلون، فرأيتُه قام فنفض ثيابه، وقال: "إنما أنتم جَرَبٌ"؛ مرتين؛ (الحلية: 2/ 215)، (ابن أبي الدنيا في الصمت: رقم 126).
 
• وقال بشر بن منصور: "ما جلستُ إلى أحد، فتفرقنا، إلا علمتُ أني لو لم أقعد معه كان خيرًا لي"؛ (سير أعلام النبلاء: 8/ 361).
 
• وعن سفيان قال: "إني لألقى الأخَ من الإخوان اللقاءة، فأكون بها عاقلاً شهرًا"؛ (حلية الأولياء: 7/ 53).
 
• وقال محمد بن نضرٍ الحارثي لأبي الأحوص: "أليس يزعمون أن الله تعالى قال: ((أنا جليس من ذكَرني))؟ قال: بلى، قال: ما على أحد أن لا يجالس الناس"؛ (الزهد لابن أبي عاصم رقم: 83، صـ 47).
 
• وعن أبي أسامة قال: "قلت لمحمد بن النضر: أما تستوحش من طول الجلوس في البيت؟ فقال: ما لي أستوحشُ، وهو يقول: أنا جليس من ذكرني"؛ (الشعب للبيهقي: رقم697).
 
(4) شكر نعمة اللسان:
بأن يحمد الله على نعمة النطق التي حرمها غيره، ويعلم أن مِن شُكْرِها استعمالها في مرضاة المنعم عليه بها، الذي أسداها إليه ليعبده بها ويذكره ويشكره، لا ليخوض بها في أعراض الناس، ويستطيل بها على خَلْقِ الله تعالى.
 
قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82][3].
 
• وقيل للحسن: يا أبا سعيد، مَن أشدُّ الناس صراخًا يوم القيامة؟ فقال: "رجلٌ رُزِقَ نعمة، فاستعان بها على معصية الله"!

أنَالَكَ رِزقَه لتقومَ فيه
بطاعته وتشكرَ بعضَ حَقِّه

فلَم تَشكر لنعمتِه ولكنْ
قويتُ على مَعاصيه برزقِه

(حرمة أهل العلم: ص123).
 
• وجاء في كتاب "الصمت لابن أبي الدنيا"؛ (ص89) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه رأى امرأة سليطة اللسان فقال: "لو كانت هذه خرساء؛ لكان خيرًا لها".
 
(5) الإكثار من ذكر الله:
فقد أخرج الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُكثِروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذِكر الله قسوةٌ للقلب، وإن أبعدَ الناس من الله القلبُ القاسي))؛ (ضعفه البعض، وحسن إسناده عبدالقادر الأرناؤوط رحمه الله).
 
فإذا قَسا القلب (وهو ملِك الأعضاء)؛ فسَدَت الجوارح، فينطق اللسان بما لا يُرضي الرحمن، وتنظر العين إلى الحرام، وتسمع الأذنُ إلى الخنا والغناء، وتَسعى القدم إلى ما فيه البوار، وتمتد اليدُ إلى الرِّشوةِ والقتل، وكلِّ ما يغضب الله، وهكذا في جميع الجوارح والأركان.
 
فالذكر سببٌ لاشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل، فمَن عوَّد لسانه ذِكر الله؛ صانه عن الباطل واللغو، ومَن يَبُس لسانه عن ذِكر الله؛ ترطَّب بكل باطل، ولغو، وفحش.
 
فالحاصل أن كثرة الذكر تُحيي القلب، وبحياة القلب تكون حياة الجوارح.
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا وإن في الجسد مُضغة، إذا صلحت صَلح الجسد كله، وإذا فسَدَت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
 
• وكان أبي هريرة رضي الله عنه يقول: "القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده".
 
• ورُوِيَ عن عيسى عليه السلام أنه قال: "كلُّ كلامٍ ليس بذكر الله فهو لغو، وكل سكوت ليس بفِكْر فهو غفلة، وكل نظر ليس بعِبرة فهو لهو، فطوبى لمَن كان كلامه ذكرًا، وسكوته تفَكُّرًا، ونظره عبرةً".
 
• ولـنا في رســول الله صلى الله عليه وسلم الأســوة الحسنة؛ فقد أخرج النَّســائي بسند صحيح من حديــث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر الذِّكر، ويُقِلُّ اللغو، ويطيل الصلاة، ويُقصِّرُ الخطبة، ولا يأنفُ أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة"؛ (صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي": 1341).
 
• وقد أمرنا رب العالمين في كتابه الكريم بكثرة الذكر، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42].
 
• والذِّكر طمأنينة للقلب، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
 
• والذكر يغفر الله به الذنوب، ويعطي عليه الأجر العظيم، قال رب العالمين في كتابه الكريم: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].
 
• وبالجملة مَن أراد الفلاح؛ فعليه بالإكثار من الذكر؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].
 
• وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفتر لسانه عن ذكر الله، ففي "صحيح مسلم" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَذكر الله على كل أحيانِه".
 
♦ ومما يدل على فضل الذِّكر ما رواه الترمذيُّ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُنبئُكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفَعِها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقَوا عدوَّكم؛ فتَضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟))، قالوا: بلى، قال: ((ذِكر الله تعالى)).
 
• ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا ما يوصي بكثرة الذكر، ففي "سنن الترمذي" أيضًا من حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبَّثُ به، قال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)).
• والأحاديث في فضل الذكر كثيرة، والمقام لا يتَّسع لذِكْرها.
 
وخلاصة الأمر أن مَن أراد النجاة من آفات اللسان فعليه أن يداوم على ذِكر الله؛ فإنه يُرضي الرحمن، ويَطرد الشيطان، ويزيل الهمَّ، ويَجلب الرِّزق، ويُكسِب المهابة والحلاوة، ويورث محبة الله، وهو حياةٌ للقلب وروحه، ويجلي صدَاه، ويحطُّ الخطايا، ويرفع الدرجات، ويحدث الأُنْس، ويزيل الوحشة، وينجي صاحبه من النار، ويوجب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة، ويَشغل عن الكلام الضارِّ، وهو أيسرُ العبادات وأفضلها، وإنه غراس الجَنَّة، يوجب الأمانَ من نسيان الله الذي هو سببُ شقاء العبد في معاشه ومعاده، يذيب قسوة القلب، يوجب صلاة الله تعالى وملائكته على الذَّاكر، ومباهاة الله بالذَّاكر للملائكة...
وغير ذلك من الفوائد والفضائل التي لا تحصى؛ (انظر: الوابل الصيِّب من الكلم الطيب؛ لابن القيم رحمه الله).
 
(6) التَّحَلِّي بالـحياء:
• قال أبو حاتم بن حبان رحمه الله: "القِحَّةُ (ترك الحياء) أصلُ الجهل وبَذْرُ الشرِّ، ومَن لم يُنْصِف الناسَ منه حياؤه، لم يُنصِفْه منهم قحتُه، وإذا لزم الوَقِحُ البذاءَ كان وجود الخير منه معدومًا، وتواتُرُ الشرِّ منه موجودًا؛ لأن الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلِّها، بقوته يضعف ارتكابُه إياها، وبضعف الحياء تَقوَى مباشرته إياها، وقد أحسن من قال:

ورُبَّ قبيحةٍ ما حال بيني
وبين ركوبِها إلا الحياءُ

فكان هو الدَّواءَ لها ولكِنْ
إذا ذهبَ الحياءُ فلا دواءُ

 
ثم ذكر رحمه الله سوءَ عاقبة البَذِيِّ فقال: "مَن ذهب حياؤه ذهَب سروره، ومَن ذهب سروره هان على الناس ومُقِتَ، ومَن مُقِتَ أُوذي، ومَن أُوذي حزن، ومَن حزن فَقَدَ عقلَه، ومَن أصيب في عقله كان أكثرُ قوله عليه لا له، ولا دواء لِمَن لا حياء له، ولا حياء لِمَن لا وفاء له، ولا وفاء لِمَن لا إخاء له، ومَن قلَّ حياؤه صنع ما شاء، وقال ما أحَب"؛ (روضة العقلاء بتصرف: صـــ 56 - 59).
 
(7) التَّحَـلِّي بالسكينة:
فلزوم السكينة من أنجح الوسائل لقطع كل ما هو قبيح من القول؛ يقول ابن القيم رحمه الله كما في "مدارج السالكين":
"السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارحُ وخشعَت، واكتسبَتِ الوقار، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا، والفحش، واللغو، والهجر، وكلِّ باطل"؛ اهـ.
 
(8) أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه:
فكما أنه لا يجب أن يَذكره أحدٌ بسوء أو يقع فيه؛ سواء بسبٍّ أو لعنٍ، أو غيبةٍ أو نميمة، أو سخريةٍ أو استهزاء...
أو غير ذلك من ألوان الإيذاء - فعليه كذلك ألا يَذكر أحدًا بسوء.
 
• وقد أخرج الإمام مسلمٌ من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النار ويُدْخَلَ الجَنَّة فلتأْتِهِ مَنيَّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه)).
 
♦ وأخرج الإمام أحمد من حديث سويد بن حجير قال: حدثني خالي قال:
لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عرفة والمزدلفة، فأخذت بخطام ناقته، فقلت: ماذا يقربني من الجَنَّة، ويباعدني من النار؟ قال: ((أما والله لقد كنتَ أوْجزتَ في المسألة، لقد أعظمتَ وأطوَلت: أقِمِ الصلاة المكتوبة، وأدِّ الزكاة المفروضة، وحُجَّ البيت، وما أحببتَ أن يَفعله بك الناسُ فافعل بهم، وما تكره أن يأتي الناسُ إليك فدَع الناس، خلِّ سبيل الناقة)).
 
• وأوصى ابن عباس رضي الله عنهما بخمس كلمات فقال: "إياك والكلامَ فيما لا يَعنيك في غير موضعه؛ فرُبَّ متكلِّمٍ في غير موضعه قد عنت، ولا تُمارِ سفيهًا ولا فقيهًا؛ فإن الفقيه يَغلبك، والسفيه يُؤذيك، واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحبُّ أن تُذكَر به، ودَعِ ما تحبُّ أن يدَعَكَ منه، واعمل عملَ رجلٍ يعلم أنه يُجازى بالإحسان ويُكافَأ".
 
• وسمع الربيع بن خثيم رجلاً يُلاحي رجلاً، فقال: "مه! لا تَلفِظْ إلا بخير، ولا تقُل لأخيك إلا ما تحبُّ أن تسمعَه مِن غيرك؛ فإن العبد مسؤول عن لفظه، مَحصيٌّ عليه ذلك كله؛ ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ﴾ [المجادلة: 6].
 
وفي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [الحجرات: 11]، يقول الطبري رحمه الله في "تفسيره" (11/ 83): "أي: ولا يغتب بعضكم بعضًا أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [الحجرات: 11] فجعل اللامزَ أَخَاه لامزًا نفسَه؛ لأن المؤمنين كرجلٍ واحدٍ فيما يلزم بعضُهم لبعض، في تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير؛ ولذلك رُوِيَ في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المؤمنون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر جسده بالحُمَّى والسَّهر)).
 
(9) التَّفكُّـر في أسماء الله الحسنى:
وبخاصة الأسماء التي تَستوجب المراقبة والإحسان: كالشهيد، والرقيب، والعليم، والسميع، والبصير، والمحيط، والحفيظ، قال حاتمٌ الأصم: "تَعاهَدْ نفسك في ثلاث: إذا عَملتَ فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلَّمتَ فاذكر سمعَ الله منك، وإذا سكتَّ فاذكر علم الله فيك"؛ (سير أعلام النبلاء: 11/ 485).
 
(10) المحافظة على الصلوات، والتَّـشبُّـث بالصدق:
• أما الصلاة فلقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
• وقد أخرج الإمام أحمدُ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فلانًا يُصلِّي الليل كله، فإذا أصبح سرق!))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سينهاه ما تقول - أو قال: ستمنعُهُ صلاته)).
 
• وأما لزوم الصدق وتحرِّيه مع تجنُّب الكذب؛ فلأنَّ الصِّدق خيرُ عونٍ على استقامة القلب والجوارح، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصِّدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجَنَّة...))؛ (رواه البخاري ومسلم).
 
• وقال ابن شوذب: سمعتُ يونس بن عبيد يقول: "خصلتان إذا صَلحتا من العبد صلح ما سواهما: صلاتُه، ولسانُه"؛ (سير أعلام النبلاء: 6/ 293).
 
• وعن مُبارك بن فَضالة، عن يونس بن عبيد قال: "لا تجد من البر شيئًا واحدًا يتبعه البرُّ كلُّه - غيرَ اللسان؛ فإنك تجد الرجل يُكثر الصيام، ويفطر على الحرام، ويقوم الليل، ويشهد بالزور بالنهار"...
وذكَر أشياء نحو هذا، "ولكن لا تجده لا يتكلَّم إلا بحق، فيُخالف ذلك عمَلَه أبدًا"؛ (سير أعلام النبلاء: 6/ 291).
 
يقول أبو العتاهية رحمه الله:

اسلك بُنَيَّ مَناهجَ الساداتِ
وتخلقنَّ بأشرف العاداتِ

لا تُلهِينَّك عن مَعادك لذَّةٌ
تَفنى وتورِثُ دائمَ الحسَراتِ

إن السعيد غدًا زهيدٌ قانعٌ
عبَدَ الإلهَ بأخلص النياتِ

أقِمِ الصلاة لوقتها بشروطها
فمِن الضلال تفاوُتُ الميقاتِ

 
(11) الوقوف على فوائد حفظ اللسان:
فمن فوائد حفظ اللسان وقلة الكلام
• دليل كمال الإيمان.
• السلامة من العطَب في المال، والنفس، والعِرض.
• دليل حسن الخلق، وطهارة النَّفس.
• إثمار محبة الله، ثم محبة الناس.
• تربية المجتمع الصالح، والنشء الصالح على معالي الأمور.
• الفوز بالجَنَّة، والنجاة من النار.
 
(12) الـدُّعـاء:
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
 
فعلى الإنسان أن يتبرَّأ من حوله وقوته، وأن يلجَأ إلى الله تعالى، ويعتصمَ به، ويدعوَه في وقت الإجابة، وفي الثلث الأخير من الليل - أن يقيَه شر لسانه.
 
• فقد أخرج الترمذي وأبو داود عن شَكَل بن حميد رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسول الله، علِّمني تَعَوُّذًا أتعوَّذُ به، فأخذ بكفي، فقال: ((قل: اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي، ومن شرِّ منيِّي))؛ (صححه الألباني في "صحيح الترمذي": 2775).
 
• ودائمًا يسأل الله تعالى الجَنَّة، وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ويستعيذ بالله من النار، وما قرَّب إليها من قول أو عمل.
• وكان عبدالله بن الخيار يقول في مجلسه: "اللهمَّ سلِّمنا، وسلِّم المؤمنين منا"؛ (تذكرة الحافظ: 1/ 139).
 
(13) كثرة ذكر الموت:
وقال عمر بن عبدالعزيز لأبي حازم: "عظني"، فقال: "اضطجع، ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحبُّ أن يكون فيك تلك الساعةَ فجِدَّ فيه الآن، وما تكره أن يكون فيك، فدعه الآن".
اليومَ تفعل ما تَشاءُ وتشتهي ♦♦♦ وغدًا تموت وتُرفَعُ الأقلامُ
وقال أبو حازم سلمة بن دينار: "كلُّ عملٍ تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرُّك متى متَّ".
 
• وقد ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين "ذكر الموت" وبين "حفظ اللسان" كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمَن جاءه فقال: "عظني وأوجِز"، فقال: ((إذا قمتَ في صلاتك، فصَلِّ صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا))؛ الحديث (رواه الإمام أحمد وابن ماجه وهو في الصحيحة: 401).
 
• وأخرج الإمام أحمد والترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن استحيا من الله حق الحياء؛ فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى))؛ (صحيح الجامع: 935).
• واغتاب رجلٌ عند معروفٍ الكَرْخيِّ فقال: "اذْكُر القطن إذا وُضِعَ على عينيك".
 
(14) تذكُّر أحوال الآخرة:
فكلُّ إنسانٍ منَّا إذا استحضَر أحوال الآخرة، وعلم يقينًا أنه سيقف بين يدي الله تعالى، يسأله عن أقواله وأفعاله صغيرها وكبيرها، وأن هذه الجوارح - ومنها اللسان - ستشهد عليه يوم القيامة، فمَن استحضر هنا، لم يفعل فعلاً أو يقل قولاً إلا ويحسب له ألفَ حساب.
• وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24].
 
وصدق القائل حيث قال:

العمرُ يَنقُص والذنوب تَزيدُ
وتُقال عَثْرات الفتى فيَعودُ

هل يستطيع جحودَ ذنبٍ واحدٍ
رَجلٌ جوارحُه عليه شُهودُ؟

 
وقال آخر:

فيا ساهيًا في غمرة الجهل والهوى
صريعَ المنى عمَّا قليلٍ ستندمُ

أَفِقْ قد دنا الموتُ الذي ليس بَعدَه
سوى جنةٍ أو حرِّ نارٍ تضرَّمُ

وتَشهد أعضاءُ المسيء بما جنَى
كذاكَ على فِيهِ المهيمنُ يَختمُ

 
♦ وأخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:
"اجتمع عند البيت قرشيَّان وثقفي - أو ثقَفيان وقرشي - كثيرٌ شَحمُ بطونهم، قليلٌ فقه قلوبهم، فقال أحدهم: أترَون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا؛ فإنه يَسمع إذا أخفينا، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [فصلت: 22، 23].
 
• وقال تعالى: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 14 - 20].
 
وختامًا:
يقول الغزالي رحمه الله في كتابه "الإحياء" (3/ 217):
"مَن تأمَّل جميـعَ ما أورَدْنـا مِن آفـات اللسان؛ علم أنه إذا أطلَق لسانَه لم يَسلَم، وعند ذلك يُعرف سرُّ قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صمت نجا))؛ (رواه الترمذي)؛ لأن هذه الآفاتِ كلَّها مَهالكُ ومُعاطب، وهي على طريق المتكلِّم؛ فإن سكَت سَلِم من الكل، وإن نطق وتكلَّم خاطرَ بنفسه إلا أن يوافقه لسانٌ فصيح، وعلم غزير، وورَع حافظ، ومراقبة لازمة، ويقلِّل من الكلام؛ فعساه يَسلَم عن ذلك، وهو مع جميع ذلك لا ينفكُّ عن الخطر؛ فإن كنتَ لا تقدر على أن تكون ممَّن تكلَّم فغَنِم، فكُن ممَّن سكتَ فسَلِم، فالسلامة إحدى الغنيمتين".
اهـ.
 
هذا، وما كان فيها من صواب فمِن الله وحدَه، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بَراء، وهذا شأنُ أيِّ عمل بشري يَعتريه الخطأ والصواب؛ فإن كان صوابًا فادعُ لي بالقَبول والتوفيق، وإن كان ثَم خطَأٌ فاستغفر لي.
وإن تجد عيبًا فسُدَّ الخَللا ♦♦♦ فجلَّ مَن لا عيب فيه وعلا
 
فاللهم اجعل عملي كلَّه صالحًا، ولوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه نصيبًا.
والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.
وآخِر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا، والله تعالى أعلى وأعلم
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

[1] تكفِّر اللسان؛ أي: تذلُّ وتَخضَع له.

[2] ومعنى ضامن على الله؛ أي: مضمون، وقال النووي رحمه الله في "الأذكار": "معنى ضامن يعنى صاحب الضمان، والضمان الرعاية للشيء".

[3] أي: تضَعون التكذيب بالقرآن مكانَ شكر هذه النعمة؛ كقول القائل: "جعلتَ إحساني إليك إساءة منك إليَّ، وجعلت إنعامي لديك أن اتخذتني عدوًّا".

شارك الخبر

المرئيات-١