أرشيف المقالات

تطبيقات معاصرة على معقد الولاء والبراء

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
تطبيقات معاصرة على معقد الولاء والبراء
 
منَّ الله على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب؛ إما مبدل أو منسوخ، ودين دارس، بعضه مجهول، وبعضه متروك.
 
وإما أمي من عربي وعجمي، مقبل على عبادة ما استحسنه، وظن أنه ينفعه: من نجم أو وثن، أو قبر، أو تمثال، أو غير ذلك[1].
فحق عليهم قوله تعالى في الحديث القدسي: "...
وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا.
وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ..."[2].
 
فكانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ولم يدر بخَلَد أحدٍ من أمة الإسلام أن يسعى إلى توفيق أو تلفيق أو توحيد أو تقريب بين الإسلام وما سواه من الأديان، ولكن الزمان قد استدار، فعز العلم، وفشا الجهل، وانخذل أهل الإسلام -إلا من رحم الله- واستطال الكفار، فعصفت بنا مذاهب شتى، وقد تمهد في خطبة الشهر الماضي أن من محكمات شريعتنا أن معقد الولاء والبراء هو "الإسلام" لا غير، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55].
 
وأن عقد الولاء والبراء على ما دون ذلك من أمور الجاهلية المفرقة للأمة.
لذا كان موضوع خطبتنا اليوم " تطبيقات معاصرة على معقد الولاء والبراء":
أولاً: التقريب بين الأديان:
مصطلح التقريب بين الأديان، قد يُراد به الخلط بين الإسلام وغيره، وقد يُراد به التعايش، فهو بالمعنى الأول مذموم مطلقًا، وبالمعنى الثاني يخضع للسياسة الشرعية للأمة.
 
المعنى الأول: الخلط بين دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما يتفرع عنها من دعوة إلى:
• بناء مسجد وكنيسة وعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات، والساحات العامة.
• دعوة إلى طباعة القرآن الكريم، والتوراة والإنجيل في غلاف واحد.
 
فإن تفصيل الرد على هذا: أن من أصول الاعتقاد في الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة[3]الآتي:
(1) لا يوجد على وجه الأرض دين حق إلا الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله:
قال تعالى ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
 
(2) أن كتاب الله "القرآن" هو آخر الكتب نزولاً، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل:
قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ [المائدة: 48].
 
(3) يجب الإيمان بنسخ التوراة والإنجيل، وأنهما حُرفا:
قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].
 
(4) أن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء:
قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
 
ولو كان أحد من أنبياء الله حيًا لما وسعه إلا اتباعه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].
 
وأن محمد صلى الله عليه وسلم بُعث للناس أجمعين، قال تعالى ﴿ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].
 
(5) اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 6].
 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"[4].
 
حكم دعوة التقريب بمعنى الخلط أو الدمج:
بناء على ما تقدم من بعض أصول الإسلام، فإن الدعوة إلى وحدة الأديان، والتقارب بينها، دعوة خبيثة يراد منها خلط الحق بالباطل.
 
قال تعالى ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120].
 
قال تعالى ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].
 
من آثار هذه الدعوة الآثمة:
• إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر: فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد لإعلاء كلمة الله، قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29].
 
• ضياع دين المسلمين: فالدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد من الرضا بالكفر، وتكذيب صريح القرآن.
 
• ضياع الغيرة: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، أن يدعو لهذه الفكرة، أو يشجع عليها، أو ينتمي إلى محافلها[5].
 
المعنى الثاني: أما إن أريد بالتقريب الهدنة والتعايش:
فهو قول متوجه إليه حقنًا للدماء واتقاءً لويلات الحروب، وتمكينًا للناس من الضرب في الأرض، والكد في الحياة لكسب الرزق، وعمارة الدنيا والدعوة إلى الحق وهداية الخلق.
 
والسعي في تحقيقه سعيًا ناجحًا.
لكن يكون ذلك عند عدم إمكان أخذ الجزية؛ مع المحافظة على إحقاق الحق ونصره فلا يكون ذلك على سبيل مداهنة المسلمين للمشركين، وتنازلهم عن شيء من حكم الله، أو شيء من كرامتهم وهوانهم على أنفسهم، بل مع الإبقاء على عزتهم والاعتصام بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والبغض لأعداء الله وعدم موالاتهم؛ عملاً بهدي القرآن، واقتداءً بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61]، وقال تعالى ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35].
 
وقد فسّر ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك عمليًا، وحققه مع قريش عام الحديبية، ومع اليهود في المدينة قبل الخندق، وفي غزوة خيبر، ومع نصارى الروم في غزوة تبوك؛ فكان لذلك الأثر العظيم والنتائج الباهرة من الأمن وسلامة النفوس، ونصرة الحق، والتمكين له في الأرض، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، واتجاه الجميع للعمل في الحياة لدينهم ودنياهم، فكان الرخاء والازدهار وقوة السلطان وانتشار الإسلام والسلام، وفي التاريخ وواقع الحياة أقوى دليل وأصدق شهيد على ذلك لمن أنصف من نفسه أو ألقى سمعه واعتدل مزاجه وتفكيره وبرئ من العصبية والمراء، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل[6].
 
وقد سأل أحدهم شيخ الإسلام ابن تيمية: هل آية السيف نسخت آية الدعوة واللطف؟
فقال: لا.
من كان ذا ضعف فليعمل بآية العفو، ومن كان ذا قوة فليعمل بآية السيف إنما الدعوة بالحسنى، فإذا كنت مستضعفًا وفي مكان ضعيف لا تستطيع أن تستخدم السيف استخدم ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة: 109]، وإذا كنت ذا قوة استخدم آية السيف[7].
 
ثانيًا: الموالاة على الأنساب والقبائل والفرق والأحزاب:
وفيها ينعقد الولاء والبراء على الوطن والقبيلة والجنس، ومثالها:
عن جَابِر رضي الله عنه قال: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ثَابَ[8] مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ[9]، فَكَسَعَ[10] أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟" ثُمَّ قَالَ: "مَا شَأْنُهُمْ؟" فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ"[11].
 
تنبيه: هذا لا يعني التنكر للمشاعر الفطرية من حب بلد النشأة وغيرها، وقد رأينا حنين كثير من الصحابة إلى مكة وهم بالمدينة، وكانت مكة يومئذ دار كفر وحرب، وكان هذا بمحضر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم.
 
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ♦♦♦ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
 
وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

 
قَالَ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ".
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ"[12].
 
فالمحظور هو أن يتحول الانتماء إلى الوطن إلى معقد ولاء وبراء، وأن يكون بديلاً من عقد الموالاة على أساس الإيمان بالله ورسوله.
 
وقد نجحت وسائل الكفار في أن تصنع فريقًا من المنتسبين إلى الإسلام وأن تزعزع ولاءه لدينه وعقيدته، فتجد أحدهم يستحي من الانتساب إلى الإسلام، ويكره أن يُرى وهو يقوم بشيء من شعائره...
فقد يسهل على البعض أن يقال عنه زنى بعشرة نسوة بينما يسوء وجهه لو قيل: إنه متزوج من اثنتين!!
 
وقد يرفض كثير منهم أن يعمل تحت لواء الإسلام، في الوقت الذي يتيه فيه عجبًا بالانتساب إلى العلمانية وما دار في فلكها من الرايات المارقة!! وبمثل هذا ابتليت الأمة، وصبت عليها الهزائم والويلات.
 
ثالثًا: الموالاة على أساس النظم والأفكار:
ومثله أن يكون الولاء والبراء على أساس المبادئ والأفكار كالحرية، أو الليبرالية، أو الديمقراطية، أو العلمانية...
إلخ وغيرها، فالإسلام لا يمنع من التعاون على البر والتقوى مع أي فريق من الناس عندما تقتضي ذلكم المصلحة العامة لجماعة المسلمين، ولكن المحظور هو أن يتحول هذا التعاون إلى معقد الولاء والبراء.
 
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَقَدْ شَهِدْتُ في دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا، مَا أُحِبُّ أَنَّ لي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوِ أُدْعَى بِهِ في الإِسْلاَمِ لأَجَبْتُ»[13].
 
ولا شك أن هذا التناصر الذي تواثق عليه المتعاقدون في هذا الحلف إنما هو نوع من الموالاة فيما بينهم؛ فإن النصرة من معاني الموالاة، بل هي أحد ركني الولاء الذي يؤول في الجملة إلى الحب والنصرة، فدل على أن مثل هذه الموالاة مشروعة ما لم يكن مردها إلى الدين، أو انسلاخًا من جماعة المسلمين، أو تحزبًا في مواجهة فريق من المؤمنين.
 
أسأل الله عز وجل أن نكون من المتبعين لسبيل المؤمنين، المتمسكون بالحجة، سائرون على المحجة لا يضرنا من خذلنا، ولا من خالفنا، حتى يأتي وعد الله.
والله لا يخلف الميعاد.

[1] اقتضاء الصراط المستقيم (1 /63) بتصرف.

[2] أخرجه مسلم (2865) من حديث عياض بن حمار المجاشعي.

[3] المراد بالضرورة هنا: ما لا يقع فيه شك أو شبهة، مما هو معلوم عند الجميع.
وعليه يمكن تعريف المعلوم من الدين بالضرورة بأنه: "كما كان ظاهرًا متواترًا من أحكام الدين معلومًا عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعًا قطعيًا مثل وجوب أحد مباني الإسلام كالصلاة والزكاة ونحوها، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة مثل الربا والخمر وغيرها".
انظر: الإنصاف للباقلاتي صـ14، وجامع بيان العلم (2 /37)، أصول الدين للبغدادي صـ8، الحدود في الأصول للباجي صـ25، التعريفات للجرجاني صـ 138، إكفار الملحدين لمحمد الكشيميري صـ2-3، فتاوى محمد رشيد رضا (6 /2539).

[4] أخرجه مسلم (153).

[5] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم (19402) بتصرف واختصار.

[6] فتاوى اللجنة الدائمة (1 /80-78).

[7] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (28 /349-355).

[8] اجتمع.

[9] يلعب بالحراب.

[10] الضرب على المؤخرة.

[11] متفق عليه: أخرجه البخاري (3518)، ومسلم (2584).

[12] متفق عليه: أخرجه البخاري (1889)، ومسلم (1376).

[13] أخرجه البيهقي في الكبرى (13461)، وقال ابن الملقن في البدر المنير (7 /325): صحيح.
وقال الألباني في فقه السيرة (72): سند صحيح لولا أنه مرسل.
ولكن له شواهد تقويه وأخرجه الإمام أحمد مرفوعًا دون قوله: "لو دعيت به في الإسلام لأحببت" وسنده صحيح.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢